الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ما يسوغ الاختلاف فيه وما لا يسوغ

السؤال

قال لي أحد الإخوة إنه مقتنع بمذهب السلف في باب أسماء الله وصفاته، ولكنه لا يرى داعيًا إلى التشنيع على المخالفين، ويقول لماذا لا نتقبل هذا الخلاف كما نتقبل الخلاف في مسائل الفقه كالنزول على الركبتين أم اليدين، و غيرها.. بماذا نرد على هذا التساؤل؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن مسائل العلم والدين متنوعة منها ما يسوغ الخلاف فيه لتكافؤ الأدلة، أو لعدم ورود نصوص صريحة، أو ما شابه، ومنها ما لا يسوغ الخلاف فيه لقيامه على أسباب غير مشروعة، أو لأن الخلاف فيه يعتبر شذوذاً. ـ فأما الأول فلا ينكر فيه على المخالف، ولا يكون سبباً للتفرق في الدين، ولا يؤدي إلى التنازع والبغضاء، مثل الخلاف في الفروع الفقهيه بين المذاهب، قال الإمام أحمد: لا ينبغي للفقيه أن يحمل الناس على قوله، أو في المسائل العقائدية المختلف فيها بين السلف ـ وهي قليلة ـ قال شيخ الإسلام ابن تيمية: .. إني من أعظم الناس نهياً عن أن ينسب معين إلى التكفير أو تفسيق ومعصية، إلا إذا علم أنه قد قامت عليه الحجة الرسالية التي من خالفها كان كافراً تارة وفاسقاً أخرى وعاصياً أخرى، وإني أقرر أن الله قد غفر لهذه الأمة خطأها، وذلك يعم الخطأ في المسائل الخبرية القولية والمسائل العملية، وما زال السلف يتنازعون في كثير من هذه المسائل ولم يشهد أحد منهم على أحد لا بكفر ولا بفسق ولا معصية، كما أنكر شريح قراءة من قرأ ( بل عجبت ويسخرون) وقال: إن الله لا يعجب، فبلغ ذلك إبراهيم النخعي، فقال: إنما شريح شاعر يعجبه علمه، كان عبد الله أعلم منه وكان يقرأ ( بل عجبت) وكما نازعت عائشة وغيرها من الصحابة في رؤية محمد ربه وقالت: من زعم أن محمداً رأى ربه فقد أعظم على الله الفرية. ومع هذا لا نقول لابن عباس ونحوه من المنازعين إنه مفتر على الله، وكما نازعت في سماع الميت كلام الحي، وفي تعذيب الميت ببكاء أهله وغير ذلك. وقد آل الشر إلى الاقتتال مع اتفاق أهل السنة أن الطائفتين جميعاً مؤمنتان، وأن الاقتتال لا يمنع العدالة الثابتة لهم لأن المقاتل وإن كان باغيا فهو متأول، والتأويل يمنع الفسوق. اهـ.

أما الثاني أي حيث لا يسوغ الخلاف، وينكر على المخالف فيه فهو المسائل المجمع عليها في العقائد والفروع الفقهية، قال تعالى: وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً {النساء:115}. فهذا ما يجب فيه الإنكار على المخالف، ومن ذلك الخلاف الحادث في كثير من مسائل أصول الدين، وكان إجماع سلف الأمة على خلافه كالتأويل الذي لا مسوغ له في صفات الله عز وجل اعتماداً على العقل وما شابه ذلك من البدع الحادثة. ولا يعني هذا تكفير المخالف أو تبديعه أو تفسيقه حتى تقام عليه الحجة الرسالية، وتقبل هذا الخلاف بغير إنكار وتبيين للحق يؤدي إلى التباس الحق بالباطل، وإقرار الفرق الضالة على ما عندهم من ضلالات، وتعطيل فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا يخفى ما في ذلك من الفساد. وبهذا يتبين أن تشبيه الخلاف في باب الأسماء والصفات بالخلاف في المسائل الفقهية كالنزول على اليدين غير صحيح.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني