الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السؤال

هنالك سؤالان منذ فترة وأنا أفكر بهما وأحاول إيجاد تفسيرات لهما وهما عبارة عن آيتين أتمنى أن توضحوا لي تفسيرهما:
أولا: في كثير من الآيات نجد عبارة (جنة عرضها السموات والأرض) ونحن نعرف أن الأرض لا تساوي شيئا بالنسبة إلى السموات السبع، فلماذا كان الجمع بين السموات والأرض
ثانيا: ( اليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا) ما المقصود بكلمة ننساهم ؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فقد وصف الله سبحانه وتعالى عرض جنته التي أعدت للمتقين فقال: وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ {الحديد 21} ومعنى ذلك أن عرض الجنة كعرض السموات والأرضين إذا ضم بعضها إلى بعض، كما قال ابن جرير الطبري، ونقله عن السدي وعن ابن عباس قال: ولا يعلم طولها إلا الله، ووصف عرضها بالسموات والأرض تشبيها في السعة والعظم.

قال القرطبي: فلما كانت الجنة في الاتساع والانفساح في غاية قصوى حسنت العبارة عنها بعرض السموات والأرض، وليس المقصود تحديد العرض وإنما أراد بذلك ضرب المثل بأوسع ما رأيتموه. انتهى. منه بتصرف قليل.

فضرب سبحانه بذلك مثلا بما هو مشاهد من المخلوقات العظيمة، والسموات والأرض هي أعظم ما نشاهده من مخلوقات الله في هذا الكون وإلا، فهنا لك ما هو أعظم منها كما في حديث أبي ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما السموات السبع والأرضون السبع في الكرسي إلا كدرهم ألقي في فلاة من الأرض، وما الكرسي في العرش إلا كحلقة ألقيت في فلاة من الأرض.

فتلك مخلوقات أعظم بكثير من السموات والأرض، ولكن الله سبحانه وتعالى ضرب المثل بما هو مشاهد لتقريب الصورة والمعنى في الذهن كما ضرب المثل لنوره بالمثل في قوله: مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ {النور:34} وذلك هو ما أخذه أبو تمام فقال:

لا تعجبوا ضربي له من دونه * مثلا شرودا في الندى والباس

فالله قد ضرب الأقل لنوره * مثلا من المشكاة والنبراس

وليس في ذلك تعارض فالآية جمعت بين عرض السموات والأرض، والمعنى أن الجنة عرضها كعرضهما مجتمعين مع بعضهما، فمحل الإشكال في ذلك غير وارد وإنما يكون لو ضرب المثل لعرض الجنة بالسموات في آية ثم ضرب لعرضها بالأرضين في آية أخرى، ولكن ذلك لم يكن كما بينا.

أما الآية الثانية وهي قوله تعالى: فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا {الأعراف: 51} فمعناها نتركهم في النار وننساهم في العذاب كما تركوا لقاء يومهم هذا، فلم يعملوا له كما نقل ابن جرير الطبري عن مجاهد ، وهذا من باب المشاكلة في اللفظ وهو واقع في لغة العرب، ومنه قول أبي الرقعمي

وجماعة نشطت لشرب مدامة * بعثوا رسولهم إلي خصوصا

قالوا اقترح شيئا نجد لك طبخة * قلت اطبخوا لي جبة وقميصا

فأولئك القوم لما نسوا عهد الله ولقاءه ولم يعدوا لذلك عدته عاملهم الله سبحانه وتعالى بمثل عملهم فنسيهم في العذاب وتركهم فيه والجزاء من جنس العمل، ولا يطلق النسيان على الله سبحانه وتعالى مطلقا وإنما في تلك الصيغة التي ذكر، ومثله في الكيد والمكر كما في قوله: إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا * وَأَكِيدُ كَيْدًا {الطارق: 15-16}

ونحو ذلك من الألفاظ التي لا تدل على المدح والكمال بإطلاق، كما ذكر العلماء وهو مبحث في باب الأسماء والصفات، وانظر الفتوى رقم: 59862 والفتوى رقم: 43955 ففيهما زيادة توضيح لذلك.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني