الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

استعمال الكحول في تنظيف المعدات وتحضير الأدوية

السؤال

أعمل في مصنع لإنتاج الأدوية ونستخدم الكحول في عمليات تنظيف المعدات، كما يستخدم أحياناً في تحضير بعض الأدوية، ولكن بطريقة بحيث لا يظهر بالمنتج النهائي، حيث يتم تبخيره، فما حكم ذلك، علما بأن أيا من الأدوية المنتجة لا يسكر؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فينبغي أن يعلم أن المادة المسكرة في الخمر والتي هي علة تحريمها ونجاستها هي الكحول أو بالتعبير الكيميائي الإيثانول أو إيثيل ألكهول =C2H5OH.

ومن طرائف المعرفة ما ذكره الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله من أن كلمة كحول أصلها عربي قرآني وهي محرفة عن كلمة (الغول) المذكورة في القرآن: لَا فِيهَا -أي خمر الجنة- غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ {الصافات:47}، وفي عصر النهضة الأوروبية تُرجمت الكتب العربية وخاصة الطبية ولما لم يكن في حروفهم حرف الغين نطقوا الغول (الكول) ثم نطقها الأتراك (الكحول).

وعليه فبما أن الكحول هو المادة المسكرة في الخمر، فلا يجوز استعمالها في تنظيف المعدات أو صناعة الأدوية أو غير ذلك سواء بقي الكحول أو تبخر، فقد قال الله تعالى في الخمر: رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ {المائدة:90}، والأمر بالاجتناب من أشد صيغ التنفير والتحريم في القرآن الكريم، وهي تفيد تحريم كافة أوجه الاستعمال، قال القاضي ابن العربي: يريد أبعدوه واجعلوه ناحية وهذا أمر باجتنابها والأمر على الوجوب لاسيما وقد علق به الفلاح.

ومحل ما تقدم من عدم جواز استعمال الكحول هو عند عدم الضرورة إلى استعماله، وإلا جاز، فقد قال تعالى:ِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ {الأنعام:119}، وراجع الفتوى رقم: 17866، والفتوى رقم: 254.

ولعل من المفيد أن نختم هذه الفتوى بذكر هاتين الحادثتين:

أما الأولى: فقد جرت مع السيدة عائشة رضي الله عنها حينما جاءتها مجموعة من النسوة من حمص للزيارة وقالت امرأة منهن: لي بنات أمشطهن بهذا الشراب، فقالت عائشة: بأي الشراب؟ قالت: الخمر، فقالت لها: أفكنت طيبة النفس أن تمشطي بدم خنزير؟! قالت: لا. فقالت لها السيدة عائشة رضي الله عنها: فإنه مثله. أخرجها الحاكم في المستدرك 4/289، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد، ووافقه الحافظ الذهبي على ذلك.

وأما الثانية: فهي ما رواه الإمام ابن جرير الطبري في تاريخه 2/491، 492 من أن: عمر بن الخطاب رضي الله عنه بلغه أن خالد بن الوليد دخل الحمام فتدلك بمادة معجونة بخمر، فكتب إليه: بلغني أنك تدلكت بخمر، وإن الله قد حرم ظاهر الخمر وباطنه كما حرم ظاهر الإثم وباطنه، وقد حرم مس الخمر إلا أن تُغسل كما حرم شربها، فلا تمسوها أجسادكم فإنها نجس، وإن فعلتم فلا تعودوا.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني