الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم استعمال النجس إذا تحول عن أصله

السؤال

هل يبقى أكل منتج غير مباح مثل الخمر ولحم الخنزير محرماً بعد معالجته وتغيير طيبعته حتى يصبح خلاً أو ملحاً أومادة أخرى غير محرمة هل هذا المنتج الأخير حلال وهل يجوزاستعمال منتج صناعي استخدمت في تصنيعه مادة محرمة كالجبن المحصول عليه من حيوان لم يذبح بطريقة مقبولة شرعياً.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

فإن الخمر والخنزير وغيرهما من النجاسات إذا استحالت استحالة كاملة عن طبيعتها وحقيقتها، بحيث صارت مادة أخرى مغايرة: ولم يبق لها أي أثر، فالذي عليه الأكثر من أهل العلم طهارة هذه الأعيان، وإعطاؤها حكم ما استحالت إليه.
ولمزيد بيان ذلك وتوضيحه نقول: اختلف العلماء في الأعيان النجسة إذا استحالت حتى صارت أعياناً أخرى طيبة، فذهب الشافعية والحنابلة في المشهور عنهم إلى عدم طهارتها وأن استحالتها لا تغير من حكم نجاستها شيئاً، إلا الخمر إذا تخللت بنفسها، فإنها تطهر عندهم بالاستحالة، لأن سبب نجاستها وصف الإسكار، وقد زال، بخلاف غيرها من الأعيان النجسة فإن نجاسته لعينه. كما استدلوا أيضا على نجاسة الأعيان وإن استحالت بنهيه صلى الله عليه وسلم عن أكل الجلالة وألبانها. رواه الإمام أحمد وأبو داود وغيرهم.
وذهب الأحناف والمالكية في المشهور من مذهبهم إلى طهارتها ـ نعني طهارة الأعيان النجسة بالاستحالة ـ وقالوا إن الشرع رتب وصف النجاسة على حقيقة، والحقيقة تنتفي بانتفاء بعض أجزاء مفهومها، فكيف إذا انتفت أجزاؤها بالكلية. فلو وقع كلب أو خنزير مثلا في مملحة حتى صارا ملحا، فلا شك أن هذا الملح الذي استحالا إليه غير العظم واللحم الذين رتب عليهما الحكم، وهذا مذهب أهل الظاهر والذي صوبه شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، بل قال شيخ الإسلام: إن هذه الأعيان لم تتناولها نصوص التحريم لا لفظاً ولا معنى، فليست محرمة، ولا في معنى المحرم، فلا وجه لتحريمها، بل الذي يتناولها نصوص الحل، فالنص والقياس يقتضي تحليلها.
لذا فإنا نقول: إن كل ما استحال من أعيان النجاسات وانتقل إلى حقيقة مغايرة للأصل النجس انتقالا تاماً، فإنه يصبح حلالا جائز الاستعمال على ما ذهب إليه الأكثر، وصوبه شيخ الإسلام.
أما ما استعملت في تصنيعه مادة محرمة من حيوان لم يذك أصلا، أو من حيوان نجس كالخنزير، فإنه لا يجوز استعماله لأنه بامتزاج تلك المادة النجسة به صار نجساً إلا في حالين:
الأولى: أن تكون العين النجسة قد تغيرت عينها بالاستحالة قبل إضافتها إلى المادة المراد تصنيعها، لأننا نقول: إن المادة المضافة هي عين أخرى غير نجسة.
الثانية: أن تضاف العين النجسة إلى المادة المراد تصنيعها، ثم تستحيل هذه المادة المزيج شيئاً آخر.
لأننا نقول أيضا: إن هذه المادة المزيج من النجس والطاهر استحالت عيناً أخرى فحكمها حكم ما استحالت إليه. والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني