الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

العلة في أن أعمال المتخاصمين لا تعرض على الله

السؤال

ما هو السبب في أن المتخاصمين من المسلمين لا تقبل أعمالهما ولا يرفع عملهما !!! فما هي الحكمة من الله في هذا الأمر ؟
وهل يصح أن يكون بين المتخاصمين السلام فقط دون سلام اليد ، وبذلك لا يسري عدم رفع الأعمال عليهما ..؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فقد قال سبحانه في محكم كتابه: لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ {الأنبياء: 23} ولا يمكن الجزم بحكمة أو علة ما دون الخبر بذلك منه سبحانه أو من رسوله صلى الله عليه وسلم، وهنا قد أخبر عليه الصلاة والسلام كما في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: تعرض الأعمال في كل يوم خميس واثنين، فيغفر الله عز وجل في ذلك اليوم لكل امرئ لا يشرك بالله شيئا؛ إلا امرأ كانت بينه وبين أخيه شحناء فيقال: اركوا هذين حتى يصطلحا، اركوا هذين حتى يصطلحا. فذكر أن أعمال المتخاصمين لا تعرض على الله تعالى ولم يذكر علة ذلك، ولكن مما يمكن استنباطه من ذلك أن الإسلام حث على الإخاء والمودة، وحرم التدابر والتقاطع بين الإخوان، ونوَّع في ذلك الحث ما بين أسلوبي الترغيب والترهيب، وهنا جاء بأسلوب الترهيب للحث على إزالة الإحن وتقوية أواصر المودة، والتحذير مما يضاد ذلك من هجر وتقاطع.

ومما يمكن استنباطه أيضا ما ذكره بعض أهل العلم من أن سبب ذلك هو عظمة الجرم وخطورة الوزر، قال ابن عبد البر في التمهيد: وذلك لعظم ذنب المهاجرة والعداوة والشحناء لأهل الإيمان، وهم الذين يأمنهم الناس على دمائهم وأموالهم وأعراضهم، المصدقون بوعد الله ووعيده، المجتنبون لكبائر الإثم والفواحش. والعبد المسلم من وصفنا حاله ومن سلم المسلمون من لسانه ويده، فهؤلاء لا يحل لأحد أن يهجرهم ولا أن يبغضهم، بل محبتهم دين وموالاتهم زيادة في الإيمان واليقين. وفي هذا الحديث دليل على أن الذنوب بين العباد إذا تساقطوها وغفرها بعضهم لبعض أو خرج بعضهم لبعض عما لزمه منها سقطت المطالبة من الله - عز وجل - بدليل قوله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث: حتى يصطلحا، فإذا اصطلحا غفر لهما.

فالشحناء بين المسلمين وهجر الإخوان ضرره كبير ووزره عظيم، هذا ما يدل عليه الحديث، وقد بينا ضابط الهجر ومتى يجوز ومتى لا يجوز في الفتوى رقم:25074، 7119. وإذا كان بين المتخاصمين السلام بالقول دون المصافحة فذلك يكفي فلا يكونا متهاجرين؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام. فالبادئ بالسلام قد قطع الهجر، ولا يشترط لذلك المصافحة وإن كانت هي الأولى لما فيها من إظهار الإخاء ونفي الشحناء، وقد تكون في بعض الأعراف عنوان على ذلك. وعند ابن أبي شيبة عن أبي إسحاق عن البراء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان إلا غفر لهما قبل أن يتفرقا. ورواه أحمد والبزار وأبو يعلى إلا أنه قال : كان حقا على الله أن يجيب دعاءهما، ولا يرد أيديهما حتى يغفر لهما.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني