الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

نقل الميت من بلد إلى آخر ليدفن مع أقاربه

السؤال

الإخوه في الشبكة الاسلامية لكم جزيل الشكر على هذا الموقع الرائع بروعتكم ونتمنى لكم مزيدا من التقدم والازدهار لخدمة الدين الإسلامى والعالم العربى . إخوتي لدىَّ سؤال أحارني فترة من الزمن وأنا أبحث عن إجابة له فهلا أجبتموني ؟السؤال هو : نحن نسكن في قرية تقرب من عاصمة وطننا الكبير وعادة ما نأتي بمرضانا إلى مراكز العاصمة للعلاج وعادة تحصل الوفاة في العاصمة فهل يجوز لنا حمل الجنازه إلى قريتنا ودفنها في القرية ؟ وهل يجوز دفن الميت مع أقاربه حيث تسود هذه المقوله عندنا ( دفن الميت مع أهله وإن كان أهل يبعدون منه ) ؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فنقل الميت من بلد لآخر قبل الدفن محل خلاف بين أهل العلم ، فعند المالكية يجوز نقله إذا لم يترتب على ذلك انتهاك لحرمته ولا أذية ولا تغير، ففي فتح العلي المالك للشيخ محمد عليش وهو مالكي : وفي شرحي المجموع ، وجاز نقل الميت من موضع لآخر قبل الدفن أو بعده إن لم يهتكه أي لم يخل النقل بحرمة الميت ، ويؤذه، فإن هتكه وأخل بحرمته وآذاه حرم النقل قبل الدفن ، ابن حبيب لا بأس أن يحمل الميت من البادية إلى الحاضرة ، ومن موضع لآخر مات سعيد بن زيد ، وسعد بن أبي وقاص بالعقيق فحملا للمدينة ، ورواه ابن وهب ، وروى لا بأس به للمصر إن قرب . انتهى

وعند الحنابلة يكره نقله لغير حاجة ففي الإنصاف للمرداوي وهو حنبلي: وقال في الكافي :( وحمل الميت إلى غير بلده لغير حاجة مكروه ) ويجوز نقل غيره أطلقه الإمام أحمد قال في الفروع : والمراد وهو ظاهر كلامهم إن أمن تغيره ، وذكر المجد إن لم يظن تغيره . انتهى ، ولا ينقل إلا لغرض صحيح كبقعة شريفة ومجاورة صالح . انتهى

وعند الحنفية يكره نقله إلى ما زاد عن مسافة ميلين ففي شرح السير الكبير للسرخسي وهو حنفي : قال : ولو نقل ميلا أو ميلين أو نحو ذلك فلا بأس به ، وفي هذا بيان أن النقل من بلد إلى بلد مكروه ، لأنه قدر المسافة التي لا يكره النقل فيها بميل أو ميلين ، وهذا لأنه اشتغال بما لا يفيد ( 62ب ) فالأرض كلها كفات للميت ، قال الله تعالى : أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا أَحْيَاءً ‎وَأَمْوَاتًا {المرسلات: 25 ـ 26 } إلا أن الحي ينتقل من موضع إلى موضع لغرض له في ذلك ، وذلك لا يوجد في حق الميت ، ولو لم يكن في نقله إلا تأخير دفنه أياما كان كافيا في الكراهة . انتهى

وللشافعية قولان بالحرمة والكراهة ففي نهاية المحتاج ممزوجا بالمنهاج وهو شافعي ( ويحرم ) ( نقل الميت ) قبل دفنه من بلد موته ( إلى بلد آخر ) وإن أمن تغيره لما فيه من تأخير دفنه المأمور بتعجيله وتعريضه لهتك حرمته ، وتعبيره بالبلد مثال فالصحراء كذلك ، وحينئذ فينتظم كما قاله الإسنوي منها أربع مسائل ، ولا شك في جوازه في البلدين المتصلين أو المتقاربين لا سيما والعادة جارية بالدفن خارج البلد ، ولعل العبرة في كل بلدة بمسافة مقبرتها ، أما بعد دفنه فسيأتي ( وقيل يكره ) لعدم ما يدل على تحريمه ( إلا أن يكون بقرب مكة أو المدينة أو بيت المقدس نص عليه ) إمامنا رضي الله عنه ، وإن نوزع في ثبوته عنه ، إذ من حفظ حجة على من لم يحفظ لفضلها . انتهى

ويجوز دفن الميت مع أقاربه ففي شرح الدردير ممزوجا بمختصر خليل ( و ) جاز ( نقل ) الميت قبل الدفن وكذا بعده من مكان إلى آخر بشرط أن لا ينفجر حال نقله ، وأن لا تنتهك حرمته ، وأن يكون لمصلحة كأن يخاف عليه أن يأكله البحر أو ترجى بركة الموضع المنقول إليه أو ليدفن بين أهله أو لأجل قرب زيارة أهله . انتهى فهذه أقوال أهل العلم في المسألة ، لكن المقولة التي ذكرتها لم نقف على ما يدل على ثبوتها، بل إن نقل الميت من بلد لآخر ليدفن مع أقاربه ينطبق عليه حكم هذه المسألة عموما، وقد بينا أن النقل قبل الدفن إذا لم يترتب عليه انتهاك لحرمة الميت جائز عند المالكية ، مكروه عند الحنابلة لغير حاجة ، كما يكره عند الحنفية إذا زادت المسافة عن ميلين ، وللشافعية قولان بالحرمة والكراهة .

وبناء على هذا فنقول إن الأولى أن لا ينقل الميت من البلدة التي مات فيها خروجا من هذا الخلاف ، إضافة إلى ما يترتب على نقله من تأخير دفنه وذلك مخالف لما أمر به الشارع .

والله أعلم .

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني