الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الوقف إذا علق بموت الواقف

السؤال

سادتي الأفاضل أرجو منكم الإفادة وبالسرعة الممكنة عن الموضوع جزاكم الله كل خير : أنا لي والدة عجوز وثلاثة أشقاء ذكور و6 إناث وكلهم متزوجون وأريد أن أوقف نصيبي من تركتي في منزل والدي المتوفى منذ 23 سنة في حال وفاتي لصالح والدتي طيلة حياتها حفاظاً على كرامتها وعدم سد حاجتها عن الغير فهل في هذا الأمر من بأس ؟ جزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فلا حرج أن توقف على أمك أو تهبها بعض مالك، بل إن ذلك من إكرامها والبر بها ، ولكن الصورة التي تنوي القيام بها وهي أن تعلق ذلك بموتك فلا تنتفع الوالدة من الوقف إلا حين تموت أنت هذه الصورة غير صحيحة ولا تمضي لأنها تعتبر وصية لوارث ، وقد قال صلى الله عليه وسلم : إن الله تعالى قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث . رواه الترمذي والدارقطني ، ولا تنفذ إلا إذا أجازها الورثة ، وانظر الفتوى رقم : 2609 ، والفتوى رقم : 16916 ، ولكن يمكنك فعل ذلك إذا وهبتها نصيبك في التركة وملكتها إياه أو نجزت الوقف ولم تعلقه بموتك بأن توقف عليها غلة نصيبك من التركة فتنتفع بها حال حياتك ، وننبهك إلى أن شرط العمر باطل عند الجمهور من الحنفية ، والشافعية ، والحنابلة ، فلو قلت وقفتها عليك مدة عمرك فإنها تكون لها وإذا ماتت تنتقل إلى ورثتها ولا تعود إليك أبدا ، قال الشافعي رحمه الله في الأم : أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن طاوس عن حجر المدري عن زيد بن ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه جعل العمري للوارث ، ومن حديث جابر رضي الله عنه أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تعمروا, ولا ترقبوا, فمن أعمر شيئا أو أرقبه فهو سبيل الميراث . وهو قول زيد بن ثابت وجابر بن عبد الله وابن عمر وسليمان بن يسار وعروة ابن الزبير رضي الله عنهم وبه أقول. قال المزني رحمه الله: معنى قول الشافعي عندي في العمرى أن يقول الرجل قد جعلت داري هذه لك عمرك أو حياتك أو جعلتها لك عمري أو رقبي ، ويدفعها إليه فهي ملك للمعمر تورث عنه إن مات.

وفي المبسوط للسرخسي الحنفي: باب العطية ، وإذا قال الرجل لغيره قد أعمرتك هذه الدار وسلمها إليه فهي هبة صحيحة لحديث ابن الزبير عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : أمسكوا عليكم أموالكم لا تعمروها، فمن أعمر عمرى فهي للمعمر له ولورثته بعده ، وروى سلمة عن جابر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم ـ قضى بالعمرى للمعمر له ولعقبه بعده ، وقال عليه الصلاة والسلام : من أعمر عمرى قطع قوله حقه ، يعني قطع قوله : وهبت لك عمرك حقه في الرجوع بعد موته ، والمعنى فيه : أنه ملكه في الحال والوارث يخلفه في ملكه بعد موته ، فشرط الرجوع إليه بعد الموت فاسد ، والهبة لا تبطل بالشروط الفاسدة.

وقال ابن قدامة في المغني: مسألة وإذا قال : داري لك عمري ، أو وهي لك عمرك ، فهي له ولورثته من بعده.

وفي الموسوعة الفقهية: اتفق الفقهاء على مشروعية العمرى ، إلا أنهم اختلفوا في قبولها التأقيت ، فذهب الحنفية ، والشافعية في الجديد ، وأحمد إلى جواز العمرى للمعمر له حال حياته ، ولورثته من بعده ، وصورة العمرى : أن يجعل داره للغير مدة عمره ، وإذا مات ترد عليه ، فيصح التمليك له ولورثته ، ويبطل شرط العمر الذي يفيد التأقيت عند جمهور الفقهاء ، أما عند مالك والشافعي في القديم : فالعمرى تمليك المنافع لا تمليك العين ، ويكون للمعمر له السكنى ، فإذا مات عادت الدار إلى المعمر ، فالعمرى من التصرفات المؤقتة عندهم.

إذن فلك أن تهب لأمك أو توقف عليها من مالك ما تشاء ، ولكن لا تعلق ذلك بموتك لئلا تكون وصية لوارث .

والله أعلم .

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني