الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

للوالد أخذ ما يحتاجه من مال ابنه ما لم يلحق الضرر به

السؤال

السلام عليكم ورحمه الله وبركاته فضيله الشينخ نحن نعمل مع أبينا ونحن أربعة أبناء كبار لأم مرحومة وأبونا له اثنا عشر ولدا صغيرا من أم أخرى ونعمل ونقوم بالتطوير في مشاريع أبيناونقوم أيضا بالصرف عليه وعلى أبنائه ومقابل ذلك لايعطينا شيئاً من إنتاج أعمالنا بل يقوم بأخذ هذا الإنتاج إلى جيبه وإلى أولاده الجدد مع العلم أن أولادنا أكبر من أولاده ، أما إذا جاء إلى أبينا أحد يطلب الأموال أو له ديون عليه يبعثه لنا لنعطيه أمواله لكن إذا جاء أحد يدفع لنا الأموال ياخذها هو فماذا نفعل ؟وهل يجوز أن يقسم تركته التي نحن مشاركون في إنتاجها على جميع الورثه مع العلم أن أولادي أكبر من أولاده وإنني مثل أخيه تقريبا من ناحية التركة التي جمعناها نحن وإياه أفيدونا جزاكم الله خيرا ؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: ‏

فاعلم أولاً أن حق الوالدين هو أعظم الحقوق وآكدها بعد حق الله تعالى، فهما اللذان ربيا ‏المرء صغيراً وعطفا عليه ضعيفاً في وقت هو في أمس الحاجة إلى الرفق والحنان. ولذلك ‏قرن الله تعالى حقهما بحقه في عدة آيات من كتابه العزيز. قال تعالى: ( وإذ أخذنا ميثاق ‏بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله وبالوالدين إحساناً ) [البقرة: 83] وقال تعالى ( واعبدوا الله ‏ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً) [النساء: 36].‏
وقال تعالى ( وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً* إما يبلغن عندك الكبر ‏أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً* واخفض لهما جناح ‏الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيراً) [الإسراء: 23-24]‏
وقال تعالى: ( ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهناً على وهنٍ وفصاله في عامين أن ‏اشكر لي ولوالديك إلى المصير* وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا ‏تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفاً واتبع سبيل من أناب إلي ) [لقمان:14-15]‏
وهذه الآية من أعظم الآيات في هذا الباب، فإن الله تعالى أمر فيها بمصاحبة الوالدين غير ‏المسلمين الداعيين إلى تضيع حق الله تعالى والإشراك به، مصاحبة بالمعروف. فلم يسقط ‏حقهما في حين يجاهدان لإسقاط حقه سبحانه وتعالى.‏
ثم إن الولد يجب عليه مواساة أبيه من ماله، والقيام بالإنفاق عليه إذا احتاج لذلك. وللأب ‏أن يأخذ من مال ابنه ما يحتاج إليه، ويتصرف فيه من غير سرف ولا إضرار بالولد، وذلك ‏لما في المسند عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن أعرابياً أتى النبي ‏صلى الله عليه وسلم فقال: إن أبي يريد أن يجتاح مالي فقال: "أنت ومالك لوالدك، إن ‏أطيب ما أكلتم من كسبكم، وإن أموال أولادكم من كسبكم فكلوه هنيئا" ‏
وفي سنن ابن ماجه عن جابر رضي الله تعالى عنه أن رجلاً قال يا رسول الله إن لي مالاً ‏وولداً، وإن أبي يريد أن يجتاح مالي، فقال: "أنت ومالك لأبيك"‏
وأما إذا كان الوالد سينفق ما يأخذه من الابن في السرف، أو كان ما يأخذه يلحق الضرر ‏بالابن، فإنه ليس للابن تمكين الأب من الأخذ من ماله لئلا يعينه على باطل، ولقول النبي ‏صلى الله عليه وسلم: " لا ضرر ولا ضرار" أخرجه الإمام مالك وغيره.‏
إذا علمت هذا فيجب عليك بر أبيك، وأن تحفظ له حقه عليك، وأن لا تقف منه موقف ‏المنادِّ والمضادِّ، وأن تتعامل مع مشكلتك هذه بشيء من الحكمة والتلطف إلى أبيك، ‏والمفاوضة معه بهدوء، وتبين له أن عليك وعلى إخوتك واجبات ومسؤوليات أنتم بحاجة ‏إلى أن يعينكم على أدائها والقيام بحقها، ونحو هذا من الكلام الطيب الذي يحرك مشاعر ‏الوالد، ويهز عواطفه تجاهكم.‏
فإذا فعلتم ذلك مع إصلاح ما بينكم وبين ربكم والالتجاء إليه أن يصلح ما بينكم وبين ‏أبيكم ستنحل المشكلة من جذورها بإذن الله تعالى.‏
أما ما يتعلق بقسمة التركة في المستقبل إن كنتم تقومون بما تقومون به مساعدة لوالدكم ‏وعوناً له فقط، فليس لكم الحق في المطالبة بشيء عند قسمة التركة، وإنما لكم نصيبكم ‏فقط، أما إذا كنتم تعملون على أساس المشاركة، فإنه يجب عليكم أن تبينوا ذلك الآن ‏وتعرفوا حصتكم من المال لئلا يؤدي ذلك إلى خصومات بعد وفاة والدكم.‏
والله أعلم.‏

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني