الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم الذهاب إلى مكان مباح فيه بعض المنكرات

السؤال

.يا فضيلة الشيخ أنا سبق أن أرسلت لكم الفتوى رقم:74183 ولكن قلبي لا يزال غير مطمئن(1) فأنتم أقررتم رأي ابن تيمية في قوله: إذ شهود المنكر من غير حاجة ولا إكراه لا يجوز. ثم تقولون:( ومع ذلك فكون الطائرة تمارس فيها بعض المنكرات فإن ذلك لا يحرم ركوبها لغرض مباح, وإنما يلزم المرء اتجاه من يمارس المنكرات في الطائرة إنكار ذلك المنكر بما يناسبه ويتماشى مع قدرته في تغييره حسبما جاء في الحديث السالف((اي حديث:من رأى منكم منكرا...)), مع وجوب غض البصر والابتعاد عن كل ما يمكن أن يؤدي إلى الحرام.) عفوا يا مشايخ ولكن حتى لو التزمت بهذه الضوابط وأنا في الطائرة أو المطار,ألا ينطبق علي وصف"شهود المنكر من غير حاجة ولا إكراه"فهذا الذي أتعب قلبي ولم يرحني في الفتوى السابقة, فأرجو بيان ذلك وتفصيله.(2) كذلك في موقعكم وجدت عبارتين أشكلتا علي وجعلتني أتردد في قضية ركوب الطائرة والمطار الذين فيهما منكرات وهما:*حاضر المنكر باختياره لغير ضرورة مثل فاعله.* فهذه العبارة ألا تناقض حكم جواز ركوب الطائرة والمطار الذين فيهما منكرات لغير ضرورة ولا حاجة وإنما لغرض مباح وهو السياحة لبلد إسلامي . العبارة الأخرى* قلتم: نص أهل العلم على أن سفر المرء إلى مكان يرى فيه المنكر ولا يقدر على تغييره أو يخاف من الوقوع فيه محرم إلا لضرورة ملجئة. * أقول: لماذا لا يجوز السفر لمكان فيه منكرات لا يستطيع تغييرها, أليس إذا لم يستطع سقط التكليف عنه مع آمن الفتنة؟ (3) أحد مشائخ السعودية عندما اتصلت عليه وضع ضابطا وهو:_المكان الذي أقيم لأجل المنكر لا يجوز الحضور إليه مثل صالة أوبرا تقام فيها أغاني محرمة أو الشواطئ التي فيها منكرات._المكان مباح وحصل فيه منكر لا يجب أن تفارق المجلس وإنما تنكر ولا يلزمك أن تفارق المكان وإن لم يتوقف عن المنكر أو أردت أن تذهب لمتحف للاستفادة منه وفيه تبرج مثلا فيجوز للمصلحة مع غض البصر. ما رأيكم يا شيخ بهذا التقسيم وألا يعارض العبارات السابقة وعبارة ابن تيمية.(4) وأحد المشائخ عندما سألته عن قوله تعالى: ( والذين لا يشهدون الزور وإذا مروا باللغو مروا كراما) وذكرت له إحدى العبارات السابقة أو قول ابن تيمية أو كلاهما _الحقيقة نسيت_قال معنى الشهود المنهي عنه هو أنك تقصد المنكر إما لو شهدت المنكر وأنت لم تقصده فلا بأس عليك ثم ضرب أمثلة أظنه قال مثل لو أنك كنت ماشيا في الشارع ومررت على منكر أو المطار الذي فيه منكرات وأنت نزلت فيه فهل صحيح أن هذا تفسير الآية وتفسير العبارات السابقة(5) وأخيرا ما الحكم إذا سافرت لأحد الدول الاسلامية ثم ذهبت لمطعم وكانت التي تقدم الطعام امرأة متبرجة فهل يجوز الذهاب لهذا المطعم والأكل داخله مع غض البصر, وكذلك هل يجوز مثلا الذهاب لمكان استئجار ألعاب ترفيهية مباحة إن كانت التي تؤجر ذلك فتاة متبرجة مع غض البصر حيث حسب فهمي لتقسيم الشيخ الذي سألته في الفقرة الثالثة أن هذا المكان لم يقم لأجل المنكر. وفي الختام أرجو أن تتحملوا أسئلتي الطويلة والتفصيلية، وأشكركم على تحملنا وصبركم علينا, وأرجو منكم فضلا لا أمرا أن تفصلوا في الأجوبة حتى لا تدعو مجالا للشيطان أو لشخصيتي الوسواسية في التخبط في سؤال المشايخ لأن أحيانا تكون فقرة في السؤال لم يجب عنها ثم أضطر أني أسال شيخا عنها ثم يأتيني بحكم آخر بعد أن أفصل له بالسؤال حتى يفهمه ثم أقع بالتضارب والصراع النفسي، أنا في الحقيقة ما أدري هل هذه الدقة ورع أم وسوسة أم تشدد. وأنا لا يعني هذا أني أريد منكم أن تشددوا علي وإنما أريد منكم حكم الله والتوضيح وأنتم إن شاء الله أهل لذلك ؟
وجزاكم الله خيرا .

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فقبل الجواب عما سألت عنه، نريد أولا أن ننبهك إلى أن المسلم ينبغي أن لا يستسلم للوساوس والتخبط في أسئلة المشايخ، والتضارب والصراع النفسي. فهون على نفسك ولا تتعبها بما لست مكلفا به.

واعلم أنه لا تعارض بين ما ذكره شيخ الإسلام من أن شهود المنكر من غير حاجة ولا إكراه منهي عنه، وبين إباحة ركوب الطائرة لغرض مباح، إذ ليس معنى ركوب الطائرة الإذن في شهود المنكرات. فمن ركب الطائرة والتزم بغض بصره وتجنب كل ما يمكن أن يؤدي إلى الحرام، لا يقال إنه شهد المنكرات.

كما قولنا: إن حاضر المنكر باختياره لغير ضرورة مثل فاعله. وقولنا: وقد نص أهل العلم على أن سفر المرء إلى مكان يرى فيه المنكر ولا يقدر على تغييره أو يخاف من الوقوع فيه محرم إلا لضرورة ملجئة، ليس في شيء منها ما يتنافى وركوب الطائرة لغرض مباح لمن التزم بغض بصره وتجنب كل ما يمكن أن يؤدي إلى الحرام.

واعلم أن حضور المنكر في الساحات أو الحانات أو غير ذلك من الأماكن التي يمكن للمرء أن ينصرف عنها ليس مثل حضوره في الطائرة، لأن أقصى ما يمكن فعله في الطائرة هو غض البصر. وأما الأماكن المذكورة فيمكن للمرء الذهاب إلى أماكن غيرها ، ولا نرى أن ما قاله الشيخ الذي نسبته إلى السعودية يتعارض مع ما ذكر أيضا.

وتفسير قول الله تعالى: وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا {الفرقان: 72 } قال فيه ابن كثير: أي لا يحضرون الزور، وإذا اتفق مرورهم به مروا ولم يتدنسوا منه بشيء، ولهذا قال مروا كراماً. وهذا كما رأيت ليس بعيدا مما قاله لك الشيخ الذي سألته عن هذه الآية.

وإذا سافرت إلى إحدى الدول ثم ذهبت إلى مطعم وكانت التي تقدم الطعام امرأة متبرجة فلا مانع لك من الأكل داخله مع غض البصر, مع أنك لو اخترت مطعما لا توجد فيه امرأة متبرجة كان ذلك أحسن، وما قلناه في المطعم نقول مثله في الذهاب إلى مكان استئجار ألعاب ترفيهية مباحة، ونرجو بهذا أن نكون قد أجبنا على طلبك، ونطلب منك نحن بدورنا أيضا وننصحك بأن لا تدع مجالا للشيطان إلى شخصيتك.

والله أعلم.


مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني