الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تفسير قوله تعالى (.فإنها محرمة عليهم أربعين سنة..)

السؤال

ثبتكم الله في إنارة المؤمنين وهدايتهم ،أرجو إفادتي بمعنى الآية عدد25 من سورة المائدة وبمدى انطباقها على الحاضر الذي نعيشه من علو شأن لليهود .يقول تعالى: قال فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض فلا تأس على القوم الفاسقين ؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن الله أمر بني إسرائيل بدخول الأرض المقدسة فخافوا من العمالقة فعاقبهم الله بالتيه حتى هلك ذلك الجيل، ومعنى الآية كما قال الشوكاني: قال فإنها : أي الأرض المقدسة، محرمة عليهم: أي على هؤلاء العصاة بسبب امتناعهم من قتال الجبارين أربعين سنة ظرف للتحريم: أي أنه محرم عليهم دخولها هذه المدة، وقيل إن أربعين سنة ظرف لقوله: يتيهون في الأرض أي يتيهون هذا المقدار فيكون التحريم مطلقا، والموقت: هو التيه وهو في اللغة الحيرة يقال منه: تاه يتيه تيها أو توها إذا تحير، فالمعنى يتحيرون في الأرض قيل إن هذه الأرض التي تاهوا فيها كانت صغيرة نحو ستة فراسخ كانوا يمسون حيث أصبحوا ويصبحون حيث أمسوا وكانوا سيارة مستمرين على ذلك لا قرار لهم . اهـ .

ولا نرى علاقة للآية بحال اليهود الآن فهم كانوا آنذاك عصاة عوقبوا بذنوبهم، وهم الآن عتاة متجبرون مستدرجون ابتلانا الله بهم، ولكنه يتعين على الأمة الاتعاظ بما عوقبت به بنو إسرائيل لأن الله فضلهم بالدين ومكن لهم وجعل فيهم الأنبياء وأخذ عليهم العهد بالتمسك بالدين وأخذه بقوة فلما فرطوا في جنب الله وأساءوا في التعامل مع الله ومع الأنبياء والآمرين بالقسط من الناس ضرب الله عليهم الذلة وجعل منهم القردة والخنازير، فعلى هذه الأمة التي جعلها الله خير أمة ورزقها وراثة النبوة أن تعلم أنها ما فضلت بسبب نسب ولا غيره، وأنها قد استخلفها الله بعد بني إسرائيل وجعلها تحت الرقابة، كما قال الله تعالى: ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ {يونس: 14 } فإن سلكت سبيل المنعم عليهم حقق الله لها وعده، وإن سلكت طريق المغضوب عليهم والضالين فيخاف عليها أن يعاقبها الله كما عاقبهم، قال ابن كثير في التفسير: وهذه القصة تضمنت تقريع اليهود وبيان فضائحهم ومخالفتهم لله ولرسوله ونكولهم عن طاعتهما فيما أمراهم به من الجهاد فضعفت أنفسهم عن مصابرة الأعداء ومجالدتهم ومقاتلتهم مع أن بين أظهرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكليمه وصفيه من خلقه في ذلك الزمان، وهو يعدهم بالنصر والظفر بأعدائهم، هذا مع ما شاهدوا من فعل الله بعدوهم فرعون من العذاب والنكال والغرق له ولجنوده في اليم وهم ينظرون لتقر به أعينهم، وما بالعهد من قدم ثم ينكلون عن مقاتلة أهل بلد هي بالنسبة إلى ديار مصر لا توازي عشر المعشار في عدة أهلها وعددهم، فظهرت قبائح صنيعهم للخاص والعام وافتضحوا فضيحة لا يغطيها الليل ولا يسترها الذيل، هذا وهم في جهلهم يعمهون وفي غيهم يترددون، وهم البغضاء إلى الله وأعداؤه ويقولون مع ذلك : نحن أبناء الله وأحباؤه فقبح الله وجوههم التي مسخ منها الخنازير والقرود، وألزمهم لعنة تصحبهم إلى النار ذات الوقود ويقضي لهم فيها بتأييد الخلود وقد فعل وله الحمد في جميع الوجود . اهــ .

وقال أيضا في تعليق على صنيع اليهود المذكور في الآيات: وما أحسن ما أجاب به الصحابة رضي الله عنهم يوم بدر رسول الله صلى الله عليه وسلم حين استشارهم في قتال النفير الذين جاؤوا لمنع العير الذي كان مع أبي سفيان فلما فات اقتناص العير واقترب منهم النفير وهم في جمع ما بين التسعمائة إلى الألف في العدة، فتكلم أبو بكر رضي الله عنه فأحسن، ثم تكلم من تكلم من الصحابة من المهاجرين ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أشيروا عليَّ أيها المسلمون، وما يقول ذلك إلا ليستعلم ما عند الأنصار لأنهم كانوا جمهور الناس يومئذ، فقال سعد بن معاذ كأنك تعرض بنا يا رسول الله، فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدا، إنا لصبر في الحرب صدق في اللقاء لعل الله أن يريك منا ما تقر به عينك، فسر بنا على بركة الله، فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقول سعد ونشطه ذلك .

وقال أبو بكر بن مردويه: حدثنا علي بن الحسين حدثنا أبو حاتم الرازي حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري حدثنا حميد عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سار إلى بدر استشار المسلمين فأشار عليه عمر ثم استشارهم فقالت الأنصار: يا معشر الأنصار إياكم يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: إذا لا نقول له كما قالت بنو إسرائيل لموسى: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون، والذي بعثك بالحق لو ضربت أكبادها إلى برك الغماد لاتبعناك . ورواه الإمام أحمد عن عبيدة بن حميد الطويل ، عن أنس به ، ورواه النسائي عن محمد بن المثنى ، عن خالد بن الحارث عن حميد به ، ورواه ابن حبان عن أبي يعلى عن عبد الأعلى بن حماد عن معمر بن سليمان عن حميد به .

والله أعلم .

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني