الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ما يفعل عند فساد المضاربة

السؤال

كان لي أخت متزوجة انتقلت إلى جوار ربها ولم تترك ذرية غير زوجها ، وسلمني زوجها بعد وفاتها مليون دينار عراقي وأنا بدوري سلمت المبلغ إلى تاجر ليعمل به ويعطيني التاجر أرباحا شهريا مقدارها يتراوح بين (20000-25000) دينار عراقي وأنا أوزعها شهريا إلى الفقراء صدقة باسمها .هل عملي هذا يعتبر صحيحا من الوجه الشرعي؟ أفيدونا جزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فاعلم أولا أن زوج أختك هذا يرث من زوجته نصف ما تركت، لقول الله تعالى: وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ {النساء: 12} ".

وإذا لم يكن لها من الورثة إلا أنت وهو، فإن باقي متروكها يكون لك أنت بالتعصيب، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأولى رجل ذكر" كما في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما.

وبناء على هذا فليس من حقك أن تتصرف في متروك أختك إلا برضا زوجها لأنه شريكك فيه، إلا أن يكون قصدك أن هذا الذي سلمك إياه هو نصيبك من التركة.

هذا من جهة، ومن جهة أخرى فقولك إنك سلمت المبلغ إلى تاجر ليعمل به ويعطيك ربحا شهريا مقداره يتراوح ما بين (20000-25000) دينار عراقي، إن كنت تقصد أنك سلمت المبلغ إلى تاجر ليعمل به بجزء محدد من الربح، وكانت الأرباح كثيرة، بحيث يعطيك منها كل شهر ما يتراوح بين (20000-25000) دينار عراقي، فمثل هذا العقد يسمى في الشرع بالمضاربة أو القراض.

وقد جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي في دورته الرابعة ما يفيد إباحة هذه السحوبات، ولك أن تراجع فيها فتوانا رقم: 71688.

وإن كنت تقصد أنه ملزم بأن يعطيك هذا القدر من المال كل شهر، سواء قل الربح أم كثر، وسواء ربح المال أم خسر، فهذا يعتبر قراضا فاسدا.

قال ابن المنذر: أجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم على إبطال القراض -وهو المضاربة- إذا شرط أحدهما أو كلاهما لنفسه دراهم معدودة.

وإذا فسدت المضاربة فلصاحب المال الأرباح وللعامل أجرة المثل، يجتهد في تقديرها أهل الخبرة بهذا الموضوع، مع التوبة إلى الله عز وجل من هذا العمل المحرم، وهذا هو قول الحنفية والشافعية والحنابلة وهو أحد القولين عند المالكية، فقد جاء في بدائع الصنائع: وأما حكم المضاربة الفاسدة... وإنما له أجر مثل عمله سواء كان في المضاربة ربح أو لم يكن.

وقال الماوردي: (فإن شرط) العامل الأول (لنفسه شيئا) من الربح (فسد) القراض... والربح كله للمالك (وأجرة الثاني على المالك) لأنه لم يعمل مجانا.

وقال ابن قدامة في المغني: فإذا فسدت المضاربة فسد الشرط، فلم يستحق منه شيئا، ولكن له أجرة مثله.

وذهب آخرون إلى أن له ربح المثل، وهو قول ثان للمالكية، قال ابن عاصم المالكي في تحفة الحكام:

وأجر مثل أو قراض مثل * لعامل عند فساد الأصـل

وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية حيث قال: ولهذا كان الصواب أن يجب في المضاربة الفاسدة ربح المثل لا أجرة المثل، فيعطى العامل ما جرت به العادة أن يعطاه مثله من الربح إما نصفه وإما ثلثه وإما ثلثاه.

وقال الشيخ ميارة عند شرح بيت التحفة السابق: ... (قال ابن الحاجب) وإذا فات القراض الفاسد فثلاث روايات قراض المثل وأجرة المثل، ابن القاسم: ما فسد لزيادة أحدهما أو لشرط رب المال ما يحوج إلى نظره فأجرة المثل وما عداه كضمان المال وتأجيله فقراض المثل.

وإذا تقررت إباحة العقد المذكور أو تصحيحه، فلا مانع من أن توزع ما تستفيده من الربح على سبيل الصدقة عن أختك، ولك أن تراجع في ذلك فتوانا رقم: 9998.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني