الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السؤال

السادة الأفاضل أود سؤالكم عن توزيع إرث ضمن ما سأذكره شاكرا لكم تسهيلكم على الناس من خلال هذه التقنية وتثقيف المسلمين بدينهم، امرأة ط تزوجت وأنجبت ولد ك وبنت ل وافترقت عن زوجها إما بالطلاق أو وفاة الزوج وتزوجت من رجل آخر م وأنجبا بنتاً ن وتوفيت المرأة ط وتزوج بعدها الرجل م من امرأة ص وأنجبا ولد ع وبنت ء وتوفي الرجل م وبعد سنوات توفي الولد ع ولم يتزوج أو ينجب، وبالتالي فإن المرأة ط لها ولد ك وبنت ل من زوج سابق، والمرأة ط والرجل م لهم بنت ن والرجل م والمرأة ص لهما بنت ء وولد ع
مع العلم أن الرجل م له أخان متزوجان وأخوات متزوجات.
المهم بعد سنوات تبين أن للمرأة ط قطعة أرض باسمها والرجل م له قطعة أرض باسمه فكيف تكون القسمة وهل للمرأة ص والولد ع والبنت ء حصة في قطعة الأرض المسجلة باسم المرأة ط أم لا؟
والولد ع الذي توفي بعد والده بسنوات هل تحسب حصته في إرث والده أم أنه يستثنى وكيف توزع حصته ومن هم ورثته حيت إن الولد ع له أم ص وأخت من أمه وأبيه ء وأخت من أبيه ن وله أعمام وعمات
وإذا قام أحد الورثة بإعداد حجج حصر الإرث واستثنى ورثة كالولد ع لأنه توفي ( رغم أنه توفي بعد والده ) فما حكمها الشرعي ومن علم بأن حصر الإرث لم يسجل به أحد الورثة واستثني من حصر الإرث فمن علم يأثم أم لا وما عليه أن يفعل؟
وبحال قام أحد الورثة البنت ن ببيع الإرث وأخذ تواقيع الورثة المرأة ص عنها وعن ابنتها القاصر بالحيلة والمكيدة ووزعت ثمن الإرث على مزاجها بالقليل للمرأة ص وابنتها واستثنت حصة الولد ع وأعطت أحد الأعمام دون الآخر واستأثرت بالجزء الأكبر من الحصص فما هو حكم الشرع ؟
حضرة السادة الأفاضل أرجو منكم إجابتي عن القسمة وتوزيع الحصص وبشكل أسهم كيف يكون من كل قطعة أرض من القطعتين
بارك الله فيكم، وجزاكم الله كل خير.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فهذه إحدى مسائل التركات المعقدة ويسميها الفرضيون (علماء التركة) بالمناسخة لموت وارث فأكثر فيها قبل قسمتها. ولهم في كيفية توزيعها طرق مختلفة لا يمكن لمن ليس له إلمام بعلم الفرائض فهمها إلا أنه يمكن تبسيطها إجمالا بتوزيع تركة كل ميت على حدة. فنقول:

أول هالك في هذه المسألة -كما ذكر في السؤال- هو المرأة المرموز لها بحرف (ط) وقد هلكت عن زوجها المرموز له في السؤال بحرف (م) وابنها المرموز له بحرف (ك) وبنتيها المرموز لهما بحرفي (ل) و(ن) فيكون نصيب الزوج (م) ربع تركتها أي ربع جميع ما تركته مما تملكه بما في ذلك الأرض المسجلة باسمها إن كانت تملكها.

وأما أبناء تلك المرأة وهم ابنها (ك) وبنتاها (ل) و(ن) فيأخذون الباقي بعد ربع الزوج تعصيبا ويوزع بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين.

ثم تقسم تركة الهالك الثاني وهو الرجل المرموز له بحرف (م) وتوزع تركته على الذين تركهم أحياء وعاشوا بعد موته ولو لحظة، وهم -كما ذكر في السؤال- زوجته المرموز لها بحرف (ص) ولها ثمن تركته أي الثمن من مجموع ما تركه بما في ذلك ما استحقه من تركة زوجته السابقة (ط) والباقي بعد ثمن زوجته (ص) يأخذه أبناؤه وهم ابنه المرموز له بحرف (ع) وبنتيه المرموز لهما بحرف (ن) و(أ) يقسم بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين.

وننبه هنا إلى أن الابن (ع) يرث من تركة أبيه، ولا اعتبار لكونه قد مات قبل قسمة تركة أبيه لأن شرط استحقاق الإرث هو تحقق حياة الوارث بعد موت مورثه ولو لحظة وهو قد عاش بعد وفاة أبيه. فالابن (ع) إذاً وارث فتقسم حصته مع باقي ما تركه إن كان له تركة أخرى على ورثته، وقد هلك عن أمه المرموز لها بحرف(ص) وعن أخته الشقيقة المرموز لها بحرف(أ) وعن أخته لأبيه المرموز لها بحرف (ن) وعن أعمامه وعماته- كما ذكر في السؤال- فتقسم تركته كالآتي لأمه (ص) سدس تركته أي سدس مجموع ما تركه بما في ذلك حصته من تركة أبيه، ولأخته الشقيقة (أ) نصف تركته، ولأخته لأبيه (ن) سدس تركته، والباقي يوزع بين أعمامه الذكور إذا كانوا متساوين في الدرجة بأن كانوا كلهم أشقاء أو لأب؛ وإلا فأقواهم درجة أي الشقيق يحجب الأضعف وهو من كان لأب فحسب إذا كانوا مختلفي الدرجة، وأما العمات فلاشيء لهن لكونهن من ذوات الأرحام.

هكذا ينبغي أن توزع التركة فيعطى كل ذي حق حقه، وقد تولى ربنا سبحانه وتعالى قسمتها وختم بيانها بقوله متوعدا من يخالف ذلك ويتعدى حدوده: تِلْكَ حُدُودُ اللهِ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الفَوْزُ العَظِيمُ *وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ.

فمن تعدى حدود الله وظلم بعض الورثة حقهم فيها فقد ارتكب ذنبا عظيما واقترف منكرا خطيرا، ومن علم بذلك وجب عليه تغييره بما استطاع؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان. رواه مسلم.

فيجب صرف حقوق جميع الورثة إليهم إن كانوا أحياء، ومن مات منهم فيجب صرف نصيبه إلى ورثته، ومن عدل عن ذلك فقد أخذ حق امرئ مسلم عن غير طيب نفس منه، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب من نفسه. أخرجه الترمذي، وقال حسن صحيح. ومن أخذ حق غيره فسيؤديه عاجلا في هذه الدنيا، أو آجلا يوم القيمة حيث لا درهم ولا دينار وإنما حسنات وسيئات، ولذا فقد حذرنا النبي صلى الله عليه وسلم من حقوق بني آدم وأمرنا بأدائها مرشدا وناصحا فقال: من كانت عنده مظلمة لأخيه فليتحلله منها فإنه ليس ثمَّ دينار ولا درهم من قبل أن يؤخذ لأخيه من حسناته، فإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات أخيه فطرحت عليه . رواه البخاري.

ثم إننا ننبه السائل الكريم ونؤكد على أن أمر التركات أمر خطير جداً وشائك للغاية وبالتالي فلا يمكن الاكتفاء فيه ولا الاعتماد على مجرد فتوى أعدها مفت طبقاً لسؤال ورد عليه، بل لا بد من أن ترفع للمحاكم الشرعية كي تنظر فيها وتحقق، فقد يكون هناك وراث لا يطلع عليه إلا بعد البحث، وقد تكون هناك وصايا أو ديون أو حقوق أخرى لا علم للورثة بها، ومن المعروف أنها مقدمة على حق الورثة في المال، فلا ينبغي إذاً قسم التركة دون مراجعة المحاكم الشرعية إذا كانت موجودة، أو يقوم مقامها عند عدم وجودها تحقيقاً لمصالح الأحياء والأموات.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني