الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الدعاء على النفس بالموت وهل يأخذ ميراثه ويفصله عن إخوته

السؤال

أنا مشكلتي ما في مثلها نفسية ومادية ومعنوية, توفي والدي رحمه الله منذ أكثر من 10 أعوام, والحمد لله ترك لنا خيرا, لكن الإرث لم يوزع إلى يومنا هذا, ولكن الإخوة الكبار أخذوا من نصيبهم من الوالدة على أساس أنه يحسب عليهم وكذلك هي شخصيتها ضعيفة أمامهم, فهي تعتبر أن كلامهم دائما صحيح وأنهم أحق بالمال، مشكلتي النفسية بإختصار, أنا كنت أود دراسة البكالوريس في بلد أجنبي مثل كندا، ولكن هم ألحوا علي أن أذهب إلى الأردن وبعد التخرج أذهب إلى كندا مثلا, طبعا هم ألحوا علي لأنهم يعرفون أن التكايف في كندا على الأقل ضعف التكاليف في الأردن, أي كي يوفروا, وترددت وسمعت كلامهم, وبعد التخرج لدي نفس الرغبة بتعلم الإنجليزي والسفر إلى الخارج لتكملة الماجستير, ولكنهم أيضا ألحوا علي أن أعمل, وصرت مترددا كثيرا, وبعد أكثر من 4 سنوات من تخرجي ولم أعمل شيئا قررت السفر, فقالوا لي سافر على حسابك أي خذ نصيبك من الورث واطلع, لكن أخي الثاني ذهب إلى مصر حيث إني نصحته بها وتكاليف مصر(الأكاديمية البحرية) ضعف تكاليف الأردن, فقلت لهم ولماذا هو، أنا وفرت أيام دراستي والآن نفسي أكمل, لماذا لم يعتبروا هذا الشيء، أن هناك فرق دراسة, وهذا الفرق أكمل به الدراسة، فأصبحوا يقولون لي لا تحسب هكذا, أنت تعلمت مرحلة البكالوريس وكفاية إلى كذا, ما يطلعلك تتعلم أكثر من كذا, علما بأنه بسببهم مستقبلي ضايع من أكثر من 9 سنوات, فأنا لو ما سمعت كلامهم من الأول ودرست بكندا أو أمريكا كان معايا بالفترة هذه دكتوراة وكنت الآن أشتغل وحالتي أحسن مما هي عليه، فهم السبب في الذي أنا فيه, لم يحزنوا أني بسببهم 4 سنوات لم أعمل وقتلوا في الطموح والحياة ولما وافقتهم إنه تحسب علي الدراسة صاروا يقولون لي نريد نطلعك من نصيبك بالمرة أي أخذ كل ميراثي وأطلع، إضافة إلى ذلك معاملة الوالدة لي, حيث تعاملني كزوجة الأب ليس كابنها, تستخسر في المصروف أو الأشياء الأخرى مثل بقية إخواني, وأي مشكلة تتصل بالشرطة وتتهمني بالعقوق وحبستني وأنا لم أغلط عليها أو أسئ لها، لكنها تمشي برموت كنترول من بقية الإخوة من تحريش ما أعرف ما هو، سؤالي بالضبط: ما رأيكم, لكني ميت وأنا عايش محطم, تكسرت طموحي, لا أعرف هل إن كنت سأنجح بالماجستير أم لا, متردد, أخاف فعلا إني أكون عاقا مثل ما تتهمني وأدخل النار, أنا لم أسئ لها, هي دائما تدعو علي وتتلفظ علي بألفاظ بذيئة, حتى وإن جئت مثلا أريد أكلمها بانفراد وأبوس رأسها تقول لي كلام تقشعر منه الأبدان, مثلا ما أنت زوجي تحكمني أجي أكلمك ومن هذا الكلام، هل الأفضل لي إنه آخذ ميراثي وأتبرأ منهم، أو أدعو على نفسي بالموت؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فقبل الجواب عما سألت عنه، نريد أولاً أن ننبهك إلى خطأ ورد في قولك: لو ما سمعت كلامهم من الأول ودرست بكندا أو أمريكا كان معايا بالفترة هذه دكتوراه، وكنت الحين شغالا وحالتي أحسن مما هي عليه، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان. رواه مسلم.

كما نذكرك بقول الله تعالى: وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ {البقرة:216}، وقال الله جل وعلا: فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا {النساء:19}، فربما كان تعلمك في أمريكا أو كندا يجلب لك شرا لم تكن تحسب له حساباً، ونذكرك أيضاً بتفاهة الدنيا وقول النبي صلى الله عليه وسلم: لو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى كافراً منها شربة ماء. رواه الترمذي وصححه، وفي صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بالسوق، داخلاً من بعض العالية، والناس كنفيه. فمر بجدي أسك ميت، فتناوله فأخذ بأذنه، ثم قال: أيكم يحب أن هذا له بدرهم؟ فقالوا: ما نحب أنه لنا بشيء. وما نصنع به؟ قال: أتحبون أنه لكم؟ قالوا: والله لو كان حيا، كان عيباً فيه لأنه أسك. فكيف وهو ميت؟ فقال: فوالله للدنيا أهون على الله من هذا عليكم.

وعلى أية حال، فإن من حقك أن تحصل على نصيبك من متروك أبيك، ومن أخذ من هذا الحق شيئاً فقد ظلم ظلما مبيناً، قال الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا {النساء:10}.

واعلم أن الآباء والأمهات في الغالب مجبولون على حب أبنائهم والسعي في جلب النفع لهم ودفع الضر عنهم، وليس من المعتاد أن تدعو الأم على ولدها ولا أن تقول له الكلام البذيء، أو تلحق به أي ضرر، مع أنها لو فعلت فإن ذلك لا ينقص شيئاً مما لها من الحقوق على أبنائها، فقد روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: ثم أبوك.

وفيما يخص سؤالك عما إذا كان الأفضل لك أن تدعو على نفسك بالموت، فجوابه أن ذلك لا يجوز، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد نهى عن تمني الموت، ولا شك أنه أخف من الدعاء به، ففي الصحيحين عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يتمنين أحدكم الموت لضر أصابه، فإن كان لا بد فاعلاً، فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي.

وأما السؤال عما إذا كان الأفضل لك أن تأخذ ميراثك وتفرده عن مال إخوتك، فجوابه: لا يمكن إلا ممن له اطلاع كبير على الحال التي أنتم عليها، وعلى ما ستفعل بهذا المال بعد أخذه، والذي نراه أقرب إلى السداد هو أن ذلك قد يكون خيراً لك وأبعد عن التنازع، خصوصاً إذا رضيت بذلك والدتك.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني