الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر القصاص من اللطمة والضرب بالسوط وما أشبهه

                                                                                                                                                                              اختلف أهل العلم في القصاص من اللطمة وما أشبه ذلك ، فقالت طائفة : لا قصاص فيه .

                                                                                                                                                                              روي هذا القول عن الحسن ، وقتادة ، وبه قال الشافعي ، ومالك ، والنعمان ، وقال مالك : وليس في اللطمة إلا الاجتهاد ، يجتهد في ذلك الإمام ، وليس لطمة المريض والضعيف مثل لطمة الرجل القوي ، وليس العبد الأسود يلطم مثل الرجل له الحال والهيئة ، فإنما في ذلك كله الاجتهاد .

                                                                                                                                                                              وقالت طائفة : فيها القصاص . فممن روي عنه أنه رأى في اللطمة القصاص : أبو بكر ، وعثمان بن عفان ، وعلي بن أبي طالب ، وخالد بن الوليد وابن الزبير ، وشريح ، والمغيرة بن عبد الله .

                                                                                                                                                                              9561 - [حدثنا . . . ] حدثنا أبو بكر ، قال : حدثنا شبابة ، عن شعبة ، عن يحيى بن الحصين ، قال : سمعت طارق بن شهاب يقول : لطم أبو بكر [ ص: 306 ] يوما [رجلا] لطمة فقيل : ما رأينا كاليوم منعه ولطمه . فقال أبو بكر : أتاني ليستحملني فحملته ، فإذا هو (يبيعهن) فحلفت ألا أحمله ، والله لا حملته - ثلاث مرات - ثم قال له : اقتص ، فعفا الرجل .

                                                                                                                                                                              9562 - حدثنا موسى ، حدثنا يحيى بن عبد الحميد ، حدثنا أبو بكر ، عن الأعمش ، عن كهيل بن زياد : أن عثمان أقاد من لطمة .

                                                                                                                                                                              9563 - حدثنا موسى ، قال : حدثنا أبو بكر ، قال : حدثنا أبو عبد الرحمن المسعودي ، عن عبد الله بن عبد الملك بن أبي عبيدة ، عن ناجية أبي الحسن ، عن أبيه ، أن عليا قال في رجل لطم رجلا ، فقال للملطوم : اقتص .

                                                                                                                                                                              9564 - حدثنا موسى ، قال : حدثنا أبو بكر ، قال : حدثنا أبو خالد الأحمر ، عن أشعث ، عن فضيل - هو ابن عمرو ، عن عبد الله بن معقل قال : كنت جالسا عند علي وأتاه رجل فساره ، فقال علي : يا قنبر . [ ص: 307 ]

                                                                                                                                                                              فقال الناس : يا قنبر . فقال : أخرج هذا فاجلده ، فأخرجه . ثم جاء المجلود فقال : إنه زاد علي ثلاثة أسواط . فقال له علي : ما تقول ؟ قال : صدق يا أمير المؤمنين . قال : خذ السوط فاجلده ثلاثة أسواط ، ثم قال : يا قنبر ، إذا جلدت فلا تعدى الحدود .

                                                                                                                                                                              9565 - حدثنا علي بن الحسن ، قال : حدثنا عبد الله ، عن سفيان ، حدثنا مخارق بن خليفة ، عن طارق بن شهاب ، قال : كنا في غزاة فلطم ابن أخي خالد بن الوليد ، ابن أخي رجل من مراد ، فجاء المرادي فخطب فقال : يا معشر قريش ، إن الله لم يجعل لوجوهكم فضلا على وجوهنا ، إلا بما جعل الله لمحمد صلى الله عليه وسلم . فقال له خالد : صدقت ، اقتص . فقال المرادي لابن أخيه : الطم واشدد ، فلما دنى منه عفا عنه .

                                                                                                                                                                              9566 - حدثنا ابن بجير ، حدثنا عبد الجبار ، قال : حدثنا سفيان ، عن ابن أخي عمرو ، عن عمرو ، أن ابن الزبير أقاد من لطمة .

                                                                                                                                                                              9567 - حدثنا موسى ، قال : حدثنا أبو بكر ، حدثنا سفيان ، عن عمرو ، عن ابن الزبير ، أنه أقاد من لطمة .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر بن أبي شيبة : وهذا مما لم يسمعه ابن عيينة من عمرو .

                                                                                                                                                                              وبه قال ابن شبرمة . [ ص: 308 ]

                                                                                                                                                                              وقال الحكم ، والشعبي ، وحماد : ما أصيب به من سوط أو عصا أو حجر ، فكان دون النفس ، فهو عمد وفيه القود . وقد احتج بعض من يرى القود من اللطمة وما أشبهها بحديث عمر .

                                                                                                                                                                              9568 - حدثنا يحيى بن محمد ، حدثنا مسدد ، حدثنا يزيد بن زريع ، حدثنا سعيد الجريري ، عن أبي نضرة ، عن أبي فراس قال : خطب عمر الناس فقال : ألا وإني لا [أرسل] عمالي عليكم ليضربوا أبشاركم ، ولا يأخذوا أموالكم ، ولكني إنما أرسلهم إليكم ليعلموكم دينكم وسنتكم ، فمن فعل به سوى ذلك فليرفعه إلي ، فوالذي نفسي بيده لأقصنه منه ، قال : فوثب عمرو بن العاص فقال : يا أمير المؤمنين ، أرأيت لو أن رجلا من المسلمين كان على رعية ، فأدب بعض رعيته ، إنك لتقص منه ؟ قال : إي والذي نفس عمر بيده ، وكيف لا أقصه منه ، وقد رأيت رسول الله يقص من نفسه .

                                                                                                                                                                              9569 - ومن حديث أمية بن خالد ، عن هشام بن سعد ، عن زيد بن أسلم ، عن أبيه ، عن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقص من نفسه .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : حديث عمر ثابت ، والقول به يجب ، وليس لاعتراض [ ص: 309 ] من اعترض حيث يحمل ما قد ثبت به الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم على القياس معنى ، إذ يقول لا يوقف على حد الضرب وشدته وخفته ووجعه ، لأن الأخبار يجب التسليم لها ، وترك أن تعرض على عقل أو قياس ، هذا مذهب من لقيناه من أهل العلم ، وأخبرنا عنهم ممن كان قبلنا من تبع الحديث منهم .

                                                                                                                                                                              9570 - حدثنا محمد بن إسماعيل ، قال : حدثني عمرو بن عون ، حدثنا خالد ، عن حصين ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن أسيد بن حضير - رجل من الأنصار - بينا هو يتحدث عند النبي صلى الله عليه وسلم - وكان فيه مزاح يحدث القوم - فطعن النبي صلى الله عليه وسلم في خاصرته . فقال : أصبرني . فقال له : اصطبر [قال : ] إن عليك قميص وليس علي قميص . فرفع النبي صلى الله عليه وسلم قميصه . قال : فاحتضنه وجعل يقبل كشحه ويقول : إنما أردت هذا .

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية