الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            فصل

            في الأحاديث والآيات المشيرة إلى خلافته وكلام الأئمة في ذلك

            عن حذيفة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اقتدوا باللذين من بعدي: أبي بكر وعمر»،

            وعن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما - قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يكون خلفي اثنا عشر خليفة: أبو بكر لا يلبث إلا قليلا»

            وفي «الصحيحين» في الحديث السابق: أنه صلى الله عليه وسلم لما خطب قرب وفاته وقال: «إن عبدا خيره الله...» الحديث، وفي آخره: لا يبقين باب إلا سد إلا باب أبي بكر»، وفي لفظ لهما: « لا يبقين في المسجد خوخة إلا خوخة أبي بكر ».

            قال العلماء: هذه إشارة إلى الخلافة ; لأنه يخرج منها إلى الصلاة بالمسلمين،

            وأخرج الشيخان عن جبير بن مطعم - رضي الله عنه ، قال: أتت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأمرها أن ترجع إليه، قالت: أرأيت إن جئت ولم أجدك؟ - كأنها تقول الموت، قال «إن لم تجديني... فأتي أبا بكر».

            وأخرج الحاكم وصححه عن أنس - رضي الله عنه - قال: بعثني بنو المصطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن سله: إلى من ندفع صدقاتنا بعدك؟ فأتيته فسألته: فقال: «إلى أبي بكر».

            وأخرج مسلم عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه: «ادعي لي أبا بكر وأخاك، حتى أكتب كتابا ; فإني أخاف أن يتمنى متمن، ويقول قائل: أنا أولى، ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر».

            وأخرج مسلم عن عائشة - رضي الله عنها - أنها سئلت: من كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مستخلفا لو استخلف؟ قالت: (أبو بكر)، فقيل لها: ثم من بعد أبي بكر؟ قالت: ( عمر )، قيل لها: من بعد عمر؟ قالت: (أبو عبيدة بن الجراح). [رضيه لديننا أفلا نرضاه لدنيانا]

            وأخرج الشيخان عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال: مرض النبي صلى الله عليه وسلم فاشتد مرضه، فقال: «مروا أبا بكر فليصل بالناس» قالت عائشة : يا رسول الله، إنه رجل رقيق، إذا قام مقامك... لم يستطع أن يصلي بالناس، قال: «مري أبا بكر فليصل بالناس»، فعادت فقال: «مري أبا بكر فليصل بالناس، فإنكن صواحب يوسف»، فأتاه الرسول، فصلى بالناس في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا الحديث متواتر.

            وعن عائشة - رضي الله عنها -: ( لقد راجعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، وما حملني على كثرة مراجعته... إلا أنه لم يقع في قلبي أن يحب الناس بعده رجلا قام مقامه أبدا، وإلا أني كنت أرى أنه لن يقوم أحد مقامه.. إلا تشاءم الناس به، فأردت أن يعدل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أبي بكر ).

            وفي حديث ابن زمعة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرهم بالصلاة وكان أبو بكر غائبا فتقدم عمر فصلى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا، لا، لا، يأبى الله والمسلمون إلا أبا بكر ، يصلي بالناس أبو بكر ».

            وفي حديث ابن عمر : كبر عمر، فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم تكبيره، فأطلع رأسه مغضبا فقال: «أين ابن أبي قحافة؟ !».

            قال العلماء: في هذا الحديث أوضح دلالة على أن الصديق أفضل الصحابة على الإطلاق، وأحقهم بالخلافة، وأولاهم بالإمامة.

            قال الأشعري : (قد علم بالضرورة: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر الصديق أن يصلي بالناس مع حضور المهاجرين والأنصار، مع قوله: يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله» ، فدل على أنه كان أقرأهم: أي أعلمهم بالقرآن).انتهى.

            وقد استدل الصحابة أنفسهم بهذا على أنه أحق بالخلافة، منهم: عمر قال العلماء: وقد كان معروفا بأهلية الإمامة في زمان النبي صلى الله عليه وسلم.

            وأخرج أحمد وأبو داود وغيرهما عن سهل بن سعد قال: كان قتال بين بني عمرو بن عوف، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فأتاهم بعد الظهر، ليصلح بينهم وقال: «يا بلال، إن حضرت الصلاة ولم آت.. فمر أبا بكر فليصل بالناس» فلما حضرت صلاة العصر.. أقام بلال الصلاة، ثم أمر أبا بكر فصلى .

            وأخرج أبو بكر الشافعي في « الغيلانيات»، وابن عساكر عن حفصة رضي الله عنها: أنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أنت مرضت... قدمت أبا بكر ؟ قال: «لست أنا أقدمه، ولكن الله يقدمه».

            وعن علي رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سألت الله أن يقدمك ثلاثا، فأبى علي إلا تقديم أبي بكر ».

            وأخرج ابن سعد عن الحسن قال: قال أبو بكر : يا رسول الله، ما أزال أراني أطأ في عذرات الناس؟ قال: «لتكونن من الناس بسبيل» قال: ورأيت في صدري كالرقمتين؟ قال: «سنتين».

            وأخرج ابن عساكر عن أبي بكرة قال: ( أتيت عمر وبين يديه قوم يأكلون، فرمى ببصره في مؤخر القوم إلى رجل، فقال: ما تجد فيما تقرأ قبلك من الكتب؟ قال: خليفة النبي صلى الله عليه وسلم صديقه .

            وأخرج ابن عساكر عن محمد بن الزبير قال: (أرسلني عمر بن عبد العزيز إلى الحسن البصري أسأله عن أشياء، فجئته، فقلت له: اشفني فيما اختلف فيه الناس، هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم استخلف أبا بكر ؟ فاستوى الحسن قاعدا فقال: أوفي شك هو لا أبا لك؟ ! إي والله الذي لا إله إلا هو لقد استخلفه، ولهو كان أعلم بالله، وأتقى له، وأشد له مخافة من أن يموت عليها لو لم يؤمره).

            وأخرج ابن عدي عن أبي بكر بن عياش قال: (قال لي الرشيد: يا أبا بكر ، كيف استخلف الناس أبا بكر الصديق ؟ قلت: يا أمير المؤمنين، سكت الله، وسكت رسوله، وسكت المؤمنون، قال: والله، ما زدتني إلا غما!!

            قلت: يا أمير المؤمنين، مرض النبي صلى الله عليه وسلم ثمانية أيام، فدخل عليه بلال فقال: يا رسول الله، من يصلي بالناس؟ قال: «مر أبا بكر يصلي بالناس» فصلى أبو بكر بالناس ثمانية أيام، والوحي ينزل، فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم لسكوت الله، وسكت المؤمنون لسكوت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعجبه فقال: بارك الله فيك).
            آيات استنبط العلماء منها خلافة الصديق رضي الله عنه

            وقد استنبط جماعة من العلماء خلافة الصديق من آيات من القرآن، فأخرج البيهقي عن الحسن البصري في قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه [المائدة: 54] قال: (هو والله أبو بكر وأصحابه، لما ارتدت العرب... جاهدهم أبو بكر وأصحابه حتى ردهم إلى الإسلام).



            وأخرج ابن أبي حاتم عن جويبر في قوله تعالى: قل للمخلفين من الأعراب ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد [الفتح: 16] قال: هم بنو حنيفة، قال ابن أبي حاتم وابن قتيبة: (هذه الآية حجة على خلافة الصديق ; لأنه الذي دعا إلى قتالهم).

            وقال الشيخ أبو الحسن الأشعري : (سمعت أبا العباس بن سريج يقول: خلافة الصديق في القرآن في هذه الآية، قال: لأن أهل العلم أجمعوا على أنه لم يكن بعد نزولها قتال دعوا إليه إلا دعاء أبي بكر لهم وللناس إلى قتال أهل الردة ومن منع الزكاة، قال: فدل ذلك على وجوب خلافة أبي بكر ، وافتراض طاعته، إذ أخبر الله أن المتولي عن ذلك يعذب عذابا أليما.

            قال ابن كثير : (ومن فسر القوم: بأنهم فارس والروم.. فالصديق هو الذي جهز الجيوش إليهم، وتمام أمرهم كان على يد عمر وعثمان، وهما فرعا الصديق).

            وقال تعالى: وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض [النور: 55] الآية، قال ابن كثير : (هذه الآية منطبقة على خلافة الصديق).

            وأخرج ابن أبي حاتم في «تفسيره» عن عبد الرحمن بن عبد الحميد المهري قال: (إن ولاية أبي بكر وعمر في كتاب الله، يقول الله تعالى: وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض [النور: 55].

            وأخرج الخطيب عن أبي بكر بن عياش قال: (أبو بكر الصديق خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في القرآن ; لأن الله تعالى يقول: للفقراء المهاجرين إلى قوله: أولئك هم الصادقون [الحشر: 8] فمن سماه صادقا.. فليس يكذب، هم قالوا: يا خليفة رسول الله)، قال ابن كثير : (استنباط حسن).

            وأخرج البيهقي عن الزعفراني قال: (سمعت الشافعي يقول: أجمع الناس على خلافة أبي بكر ، وذلك أنه اضطر الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يجدوا تحت أديم السماء خيرا من أبي بكر ، فولوه رقابهم).

            وأخرج أسد السنة في «فضائله» عن معاوية بن قرة قال : ( ما كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يشكون أن أبا بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم وما كانوا يسمونه إلا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم وما كانوا يجتمعون على خطأ أو ضلالة .

            وأخرج الحاكم وصححه عن أبي مسعود - رضي الله عنه - قال: ( ما رآه المسلمون حسنا.. فهو عند الله حسن، وما رآه المسلمون سيئا.. فهو عند الله سيئ، وقد رأى الصحابة جميعا أن يستخلفوا أبا بكر ).

            التالي السابق


            الخدمات العلمية