الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      القول في تأويل قوله تعالى:

                                                                                                                                                                                                                                      [ 47 ] قال تزرعون سبع سنين دأبا فما حصدتم فذروه في سنبله إلا قليلا مما تأكلون [ 48 ] ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد يأكلن ما قدمتم لهن إلا قليلا مما تحصنون [ 49 ] ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون

                                                                                                                                                                                                                                      قال أي يوسف له في تأويلها تزرعون سبع سنين دأبا أي دائبين مواظبين كل عام منها فما حصدتم أي من الزرع فذروه في سنبله أي لا تدرسوه، فإنه أبقى له إلا قليلا مما تأكلون أي في تلك السنين، يعني بقدر ما تأكلون.

                                                                                                                                                                                                                                      ثم يأتي من بعد ذلك أي السبع المذكورات سبع شداد أي سبع سنين صعاب على الناس، لقوة القحط يأكلن ما قدمتم لهن أي ما رفعتم لهن من الحبوب [ ص: 3549 ] المتروكة في سنابلها. ولما عبر عن البقرات بالسنين; نسب الأكل إلى السنين، كما رأى في الواقعة البقرات يأكلن حتى يحصل التطابق بين المعبر وهو المرئي في المنام، والمعبر به، وهو تأويله. ولا يتعين المجاز العقلي -أي يؤكل فيها- كما في: (نهاره صائم) لجواز أن يكون مشاكلة حينئذ. إلا قليلا مما تحصنون أي تحرزون وتخبئون للزراعة.

                                                                                                                                                                                                                                      ثم يأتي من بعد ذلك أي السنين الموصوفة بالشدة، وأكل الغلال المدخرة عام فيه يغاث الناس أي يمطرون من الغيث، أو يغاثون من القحط، أو يرفع عنهم مكروهه من الغوث وفيه يعصرون أي ما كانوا يعصرونه على عادتهم من عنب وزيتون ونحوهما.

                                                                                                                                                                                                                                      قال أبو السعود: والتعرض لذكر (العصر)، مع جواز الاكتفاء عنه بذكر (الغيث) المستلزم له عادة، كما اكتفى به عن ذكر تصرفهم في الحبوب، إما لأن استلزام الغيث له ليس كاستلزامه للحبوب، إذ المذكورات يتوقف صلاحها على مبادئ أخر غير المطر. وإما لمراعاة جانب المستفتي باعتبار حالته الخاصة به، بشارة له، وهي التي يدور عليها حسن موقع تغليبه على الناس، في القراءة بالفوقانية. وقيل: معنى (يعصرون) يحلبون الضروع. انتهى.

                                                                                                                                                                                                                                      واللفظ بعموم معناه يشمله، لأن الحلب فيه عصر الضرع ليخرج الدر.

                                                                                                                                                                                                                                      قال الزمخشري: تأويل البقرات السمان والسنبلات الخضر: بسنين مخصبة، والعجاف واليابسات بسنين مجدبة، ثم بشرهم بعد الفراغ من تأويل الرؤيا بأن العام الثامن يجيء مباركا خصيبا، كثير الخير، غزير النعم، وذلك جهة الوحي.

                                                                                                                                                                                                                                      تنبيه:

                                                                                                                                                                                                                                      قال في (الإكليل): هذه الآية من أصول التعبير. وفيها أيضا صحة رؤيا الكفار، وجواز تسميته ملكا، وأن قولنا (الرؤيا لأول عابر) ليس عاما في كل رؤيا، لأنهم قالوا: [ ص: 3550 ] أضغاث أحلام ولم تسقط بقولهم ذلك، فتخص القاعدة بما يحتمل من الرؤيا وجوها، فيعبر بأحدها، فيقع عليه. وفي قوله: ثم يأتي من بعد ذلك عام إلخ، زيادة على ما وقع السؤال عنه، فيستدل به على أنه لا بأس بذلك في تعبير الرؤيا والفتوى. انتهى.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية