الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله : وبملك قريب محرم ، ولو كان المالك صبيا أو مجنونا ) معطوفا على قوله أول الباب بأنت وأي يصح العتق بملك قريب محرم للحديث من ملك ذا رحم محرم منه فهو حر أو عتق عليه واللفظ بعمومه ينتظم كل قرابة مؤبدة بالمحرمية ولادا أو غيره ; ولأنه ملك قريبه قرابة مؤثرة في المحرمية فيعتق عليه ، وهذا هو المؤثر في قرابة الولاد وذكر فخر الإسلام البزدوي في بحث العلل أن العلة في عتق القريب بالملك شيئان القرابة والملك لكن العتق يضاف إلى آخرهما فإن تأخر الملك أضيف إليه العتق كما إذا ملك قريبه ، وإن تأخرت القرابة وتقدم الملك أضيف العتق إلى القرابة كما إذا كان بين اثنين عبد ثم ادعى أحدهما أنه ابنه غرم لشريكه وأضيف العتق إلى القرابة ا هـ .

                                                                                        قيد بالقريب ; لأنه لو ملك محرما بلا رحم كزوجة أبيه أو ابنه لا يعتق ; لأنه ليس بينهما قرابة موجبة للصلة محرمة للقطيعة فلا يستحق العتق وقيد بالمحرم احترازا عن الرحم بلا محرم كبني الأعمام والأخوال والخالات إذا ملكه لم يعتق وخص عن النص المحرم للقطيعة بالإجماع لما أنهم كثير لا يحصون فلو عتقوا ربما حرجوا الملاك فيه لتعذر معرفتهم بالكلية فلو خصت القرابة المحرمية عن النص أيضا لأدى إلى تعطيله وذلك لا يجوز ، وكذا لو ملك ذا رحم محرم من الرضاع فلا بد أن تكون المحرمية من جهة القرابة ، وذو الرحم المحرم شخصان يدليان إلى أصل واحد ليس بينهما واسطة كالأخوين أو أحدهما بواسطة والآخر بغير واسطة كابن الأخ مع العم في النسبة إلى الجد كذا في المحيط .

                                                                                        وأطلق في المالك فشمل المسلم والكافر ; لأنهما يستويان في الملك وفيما يلزمهم من الصلة وحرمة القطيعة ويشترط أن يكون في دار الإسلام ; لأنه لا حكم لنا في دار الحرب فلو ملك قريبه في دار الحرب أو أعتق المسلم عبده في دار الحرب لا يعتق خلافا لأبي يوسف وعلى هذا الخلاف إذا أعتق الحربي عبده في دار الحرب وذكر الخلاف في [ ص: 248 ] الإيضاح وفي الكافي للحاكم عتق الحربي في دار الحرب قريبه باطل ولم يذكر خلافا .

                                                                                        أما إذا أعتقه وخلاه ففي المختلف قال يعتق عند أبي يوسف وولاؤه له ، وقالا لا ولاء له ; لأن عتقه بالتخلية لا بالإعتاق ، ثم قال المسلم إذا دخل دار الحرب فاشترى عبدا حربيا فأعتقه ثمة فالقياس أنه لا يعتق بدون التخلية وفي الاستحسان يعتق بدونها ولا ولاء له عندهما قياسا وله الولاء عند أبي يوسف استحسانا وفي المحيط وإن كان عبده مسلما أو ذميا عتق بالإجماع ; لأنه ليس بمحل للاسترقاق بالاستيلاء ا هـ .

                                                                                        والصبي جعل أهلا لهذا العتق ، وكذا المجنون حتى عتق القريب عليهما عند الملك ; لأنه تعلق به حق العبد فشابه النفقة وفي البدائع ، ولو اشترى أمة وهي حبلى من أبيه والأمة لغير أبيه جاز الشراء وعتق ما في بطنها ولا تعتق الأمة ولا يجوز بيعها قبل أن تضع وله أن يبيعها إذا وضعت وإنما عتق الحمل ; لأنه أخوة ، وقد ملكه فيعتق عليه ا هـ .

                                                                                        فأفاد أن الحمل داخل تحت قولهم وبملك قريب بناء على أنه مملوك قبل الوضع مع أنهم قالوا الحمل لا يدخل تحت اسم المملوك حتى لو قال كل مملوك لي حر لا يعتق الحمل فيحتاج إلى الجواب وأطلق المصنف في الملك فشمل ما إذا باشر سببه بنفسه أو بنائبه فدخل ما إذا اشترى العبد المأذون ذا رحم محرم من مولاه ولا دين عليه فإنه يعتق بخلاف المديون لا يعتق ما اشتراه عنده خلافا لهما وخرج المكاتب إذا اشترى ابن مولاه فإنه لا يعتق في قولهم جميعا كما في الظهيرية وشمل الكل والبعض فإذا ملك بعض قريبه عتق عليه بقدره كما سيأتي

                                                                                        [ ص: 247 - 248 ]

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        [ ص: 247 - 248 ] ( قوله : ثم قال المسلم إذا دخل دار الحرب إلخ ) مقتضاه أنه في الاستحسان يعتق عند الكل ، وقد مر قريبا أنه لو أعتق المسلم عبده في دار الحرب لا يعتق خلافا لأبي يوسف وجمع بينهما في الفتح بأن يراد بالمسلم ثمة الذي نشأ في دار الحرب وهنا نص على أنه داخل هناك بعد أن كان هنا فلذا لم ينقطع عنه أحكام الإسلام .

                                                                                        ( قوله : فيحتاج إلى جواب ) قال في النهر أقول : لا يلزم من كون الشيء ملكا كونه مملوكا مطلقا قال في البدائع وهل يدخل تحت اسم المملوك إن كانت أمة في ملكه دخل وإن كان في ملكه الحمل فقط بأن كان موصى له به لا يعتق ; لأنه لا يسمى مملوكا على الإطلاق ; لأن في وجوده خطرا ولهذا لا يجب على المولى صدقة فطره ا هـ .

                                                                                        وفي شرح المقدسي أقول : الجواب أن الملك الثابت هنا إنما هو في ضمن ثبوت العتق المحكوم بثبوته شرعا لضرورة دفع الذل عن القريب قرابة قوية ويغتفر في الضمنيات ما لا [ ص: 249 ] يغتفر في القصديات بخلاف قوله كل مملوك لي حر فإنه قصدي مطلق فيقتضي صفة الكمال فاحتاج إلى الملك المطلق ولم يكن فيه مطلق الملك ألا ترى أنه لا يدخل فيه البعض المملوك ويدخل في ملك القريب فيعتق ، والله سبحانه وتعالى أعلم .




                                                                                        الخدمات العلمية