الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله : وبموته يعتق من ثلثه ) أي بموت المولى يعتق المدبر من ثلث مال المولى لما روينا من قوله عليه السلام { وهو حر من الثلث } ولأن التدبير وصية ; لأنه تبرع مضاف إلى وقت الموت ، والحكم غير ثابت في الحال فينفذ من الثلث ولكونه وصية حتى لو قتله المدبر فإنه يسعى في جميع قيمته ; لأنه لا وصية للقاتل ، وأم الولد إذا قتلت مولاها فإنها تعتق ولا شيء عليها إن كان القتل خطأ كذا في شرح الطحاوي وذكر قاضي خان في كتاب الحجر : أن المحجور عليه يصح تدبيره وبموته سفيها يعتق المدبر ويسعى في قيمته مدبرا فإن كانت قيمته مدبرا عشرة يسعى في عشرة ا هـ .

                                                                                        مع أنه نقل قبله أن وصية المحجور عليه جائزة من ثلث ماله وأطلق في الموت فشمل الحكمي بالردة بأن ارتد المولى عن الإسلام - والعياذ بالله تعالى - ولحق بدار الحرب ; لأنها مع اللحاق تجري مجرى الموت وكذا المستأمن إذا اشترى عبدا في دار الإسلام فدبره ولحق بدار الحرب فاسترق الحربي عتق مدبره كذا في البدائع وأطلق في التدبير فشمل ما إذا كان في الصحة ، أو في المرض ; لأنه وصية في الحالين ويعتبر من ثلث المال يوم مات المولى كما في الوصايا ، وفي المحيط أن المدبر يعتق في آخر جزء من أجزاء حياة المولى ا هـ . وهو التحقيق وعليه يحمل كلامهم

                                                                                        ( قوله : ويسعى في ثلثيه [ ص: 289 ] لو فقيرا - وكله لو مديونا ) أي يسعى المدبر للورثة في ثلثي قيمته لو كان المولى فقيرا ليس له مال إلا هو ، وفي جميع قيمته لو كان المولى مديونا دينا يستغرق ماله لما ذكرنا أنه وصية ، ومحل نفاذها الثلث والدين مقدم عليها .

                                                                                        اعلم أن المدبر في زمن سعايته كالمكاتب عند الإمام وعندهما حر مديون فتتفرع الأحكام فلا تقبل شهادته ولا يزوج نفسه عنده لما في المجمع من الجنايات ولو ترك مدبرا فقتل خطأ - وهو يسعى للوارث - فعليه قيمته لوليه وقالا : ديته على عاقلته ا هـ .

                                                                                        وهكذا في الكافي وعلله بما ذكرناه وكذا المنجز عتقه في مرض الموت إذا لم يخرج من الثلث فإنه في زمن سعايته كالمكاتب عنده فلا تقبل شهادته كما في شهادات البزازية وحكم جنايته كجناية المكاتب كما في شرح المجمع للمصنف وقولهم هنا يعتق المدبر بموت المولى من ثلث المال يدل عليه فإن لم يخرج من الثلث لم يعتق حتى يسعى ويؤديها ، قيدنا بكون الدين مستغرقا ; لأن الدين لو كان أقل من قيمته فإنه يسعى في قدر الدين ، والزيادة على الدين ثلثها وصية ، ويسعى في ثلثي الزيادة كذا في شرح الطحاوي وذكر في المجتبى أن القدوري أجمل القيمة ولم يبين أنه يسعى في قيمته قنا ، أو مدبرا وذكر في بط أنه يسعى في قيمته مدبرا وذكر محمد في كتاب الحجر إذا دبر السفيه ، ثم مات يسعى الغلام في قيمته مدبرا وليس عليه نقصان التدبير كالصالح إذا دبر ومات وعليه ديون ا هـ .

                                                                                        وقدمنا أن المفتى به أن قيمة المدبر ثلثا قيمته قنا واختار الصدر الشهيد أنها النصف ، وفي الولوالجية : وهو المختار ; لأن الانتفاع بالمملوك نوعان انتفاع بعينه وانتفاع ببدله وهو الثمن والانتفاع بالعين قائم وبالبدل فائت ا هـ .

                                                                                        وفي الظهيرية : وعتق المدبر يعتبر من ثلث المال مطلقا كان ، أو مقيدا ا هـ .

                                                                                        ولم يبينه المصنف ; لأنه إذا علم حكم المطلق فالمقيد أولى ، وفي فتح القدير : إذا دبره ، ثم كاتبه ، ثم مات المولى وهو يخرج من ثلثه عتق بالتدبير وسقطت عنه الكتابة فإن لم يكن له مال غيره فإنه يخير إن شاء سعى في جميع بدل الكتابة بجهة عقد الكتابة [ ص: 290 ] وإن شاء سعى في ثلثي قيمته بالتدبير وهذا عند الإمام ; لأن العتق يتجزى عنده وقد تلقاه جهتا حرية فيتخير أيهما شاء ، وعند أبي يوسف يسعى في الأقل منهما بغير خيار وعند محمد يسعى في الأقل من ثلثي قيمته ومن ثلثي بدل الكتابة ولو كاتبه ، ثم دبره فعند أبي حنيفة يتخير بين أن يسعى في ثلثي قيمته ، أو ثلثي بدل الكتابة وعندهما يسعى في أقلهما عينا ، وتمامه فيه ، وذكر في الحاوي القدسي : لو قال لعبده : أنت حر ، أو مدبر أمر بالبيان فإن مات على ما كان فإن كان القول منه في الصحة عتق نصفه من جميع المال ونصفه من الثلث ا هـ .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله : حتى لو قتله المدبر ) كذا في النسخ وهو تحريف وصوابه حذف الضمير من قتله والمدبر اسم فاعل . ( قوله : مع أنه نقل قبله إلخ ) قال في النهر : ولعل الفرق هو أن التدبير الآن بخلاف الوصية فإنها بعد الموت وله الرجوع قبله فلا إتلاف فيها [ ص: 289 ] ( قوله : اعلم أن المدبر في زمن سعايته إلخ ) قال العلامة الشرنبلالي في رسالته إيقاظ ذوي الدراية لوصف من كلف السعاية بعد نقله لكلام المؤلف هنا أقول : قد صدرت تلك العبارات وهي مخالفة لنص الإمام ، وإن ورد مثلها مسندا للإمام فاختلف النقل عنه ولم تحرره الأعلام والمقرر أن الخلاف بين الإمام وصاحبيه في تجزي الإعتاق وحصول العتق وعدمه فيمن أعتق بعضه لا فيمن أعتق كله منجزا ، أو معلقا على شرط فوجد في مرض ، أو صحة ، وسعايته بعده سعاية حر مديون كالمدبر إذا لم يخرج من الثلث قال في السراج المستسعى عند أبي حنيفة على ضربين ; كل من يسعى في تخليص رقبته فهو كالمكاتب وكل من يسعى في بدل رقبته الذي لزم بالعتق ، أو في قيمة رقبته لأجل بدل شرط عليه ، أو لدين ثبت في رقبته فهو كالحر ا هـ .

                                                                                        ولا شك أن المدبر قد عتق كله بموت المولى فهو ، وإن سعى يسعى وهو حر فلم يكن كالمكاتب وما في المجمع قد يقال إنه مفرع على ما قيل إن المستسعى كالمكاتب وليس على عمومه لما علمت فموجب جنايته على عاقلة مولاه للنص على حريته بمجرد موت سيده وما عزي إلى البزازية لم أره فيها وعبارتها : لا تقبل شهادة المدبر انتهت ، ووصفه بالمدبر حقيقة إنما هو في حياة سيده أما بعدها فهو حر مقبول الشهادة نعم قال في فصول العمادي ، وتهذيب الخاصي : المريض إذا أعتق عبدا في مرض موته ولا مال له سواه فعتقه موقوف عند أبي حنيفة حتى إذا شهد لا تقبل ; لأنه من التصرفات التي لا تحتمل الفسخ بعد النفاذ فتوقف ا هـ .

                                                                                        وهو أيضا مأخوذ من التشبيه ويعارضه ما مر عن الإمام من تقسيم المستسعى إلى قسمين ، ولئن صح نقله عن الإمام فالوجه النقل الموافق لنص الشارع ولتعريف التدبير قال ابن الهمام : التدبير شرعا العتق الموقع بعد الموت في المملوك معلقا بالموت مطلقا لفظا أو معنى ا هـ .

                                                                                        والمعلق ينزل بوجود شرطه كملا ، وروى ابن عمر أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال إن { المدبر لا يباع ولا يوهب ولا يورث وهو حر من الثلث } وقال الزيلعي المدبر تعلق عتقه بنفس الموت أي موت سيده فلا يشترط فيه إعتاق أحد ثم قال وبموت المولى يعتق من ثلث ماله ، وإنما يسعى إذا لم يكن له مال غيره ; لأنه وصية ومحلها الثلث ولم يسلم له شيء إلا إذا سلم للورثة ضعفه والدين مقدم على الوصية ولا يمكن نقض العتق فيجب نقضه معنى برد قيمته يعني لدين يستغرق ويرد ثلثي قيمته للورثة إن لم يكن دين فهذا تصريح بحريته بمجرد موت المولى فقوله : في الاختيار يعتق منه بقدره المراد سقوط السعاية عنه بقدر الثلث لا تجزي عتقه ، وكذا قوله : في المحيط يعتق ثلثه ويسعى في ثلثيه ا هـ .

                                                                                        ما في الرسالة ملخصا ، ثم قال في آخرها : فتلخص أن المدبر إذا لم يخرج من الثلث يسعى وهو حر ، وأحكامه أحكام الأحرار وكذا المعتق في مرض الموت والمعتق على مال ، أو خدمة قال الحموي في حواشي الأشباه وهو تحقيق بالقبول حقيق يعض عليه بالنواجذ .




                                                                                        الخدمات العلمية