الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله ولو برئ من كل عيب به صح وإن لم يسم الكل ولا يرد بعيب ) لأن الجهالة في الإسقاط لا تفضي إلى المنازعة وإن كان في ضمنه التمليك لعدم الحاجة إلى التسليم فلا تكون مفسدة ويدخل تحت الإبراء الموجود والحادث قبل القبض في قول الثاني وذكره مع الإمام في المبسوط وشرح الطحاوي .

                                                                                        وفي الخانية أنه ظاهر مذهبهما وقال محمد لا يدخل فيه الحادث وهو قول زفر لأن البراءة تتناول الثابت ولأبي يوسف أن الغرض إلزام العقد بإسقاط حقه عن صفة السلامة وذلك بالبراءة من الوجود والحادث وأجمعوا أنه لو أبرأه من كل عيب به لا يدخل الحادث ولا يرد علينا عدم صحة أبرأت أحدكما لجهالة من له الحق كقوله لرجل علي كذا ولو قال أبرأتك من كل عيب به وما يحدث لم يصح إجماعا فاستشكل قول أبي يوسف لأنه مع التنصيص لا يصح فكيف يصححه ويدخله بلا تنصيص ولكن هذا على رواية الإسبيجابي وأما على رواية المبسوط فيصح الاشتراط باعتبار أنه يقيم السبب وهو العقد مكان العيب الموجب للرد وفي البدائع لو باع على أنه برئ من كل عيب يحدث بعد البيع فالبيع بهذا الشرط فاسد عندنا لأن الإبراء لا يحتمل الإضافة وإن كان إسقاطا ففيه معنى التمليك ولهذا لا يقبل الرد فلا يحتمل الإضافة نصا كالتعليق فكان شرطا فاسدا فأفسد البيع ا هـ .

                                                                                        ولو اختلفا في عيب أنه حادث بعد العقد أو كان عنده لا أثر لهذا عند أبي يوسف وعند محمد القول للبائع مع يمينه على العلم بأنه حادث هذا إذا أطلق أما إذا أبرأه مقيدا بعيب كان عند البائع ثم اختلفا على نحو ما ذكرنا فالقول للمشتري كذا في البدائع ولو شرطها من عيب واحد كشجة فحدث عند المشتري عيب أو موت فاطلع على آخر فأراد الرجوع بالنقصان جعل أبو يوسف الخيار للبائع في التعيين وجعله محمد رحمه الله تعالى [ ص: 73 ] للمشتري ومحله ما إذا لم يعينها عند البيع بل أبرأه من شجة به أو عيب ولو أبرأه من كل غائلة فهي في السرقة والإباق والفجور ولو أبرأه من كل داء فهو على ما في الباطن في العادة وما سواه يسمى مرضا وقال أبو يوسف يتناول الكل ولو قبل الثوب بعيوبه يبرأ من الخروق وتدخل الرقع والرفو ولو أبرأه من كل سن سوداء تدخل الحمراء والخضراء ومن كل قرح تدخل القروح الدامية كذا في المعراج والأثر الذي برئ منه ولا يدخل الكي كما في الخانية وفي المحيط أبرأتك من كل عيب بعينه فإذا هو أعور لا يبرأ لأنه عدمها لا عيب وكذا لو قال بيده فإذا هي مقطوعة لا يبرأ بخلاف قطع الإصبع وبخلاف ما إذا برئ من كل عيب به كذا في الواقعات ولو قال أنا بريء من كل عيب إلا إباقه برئ من إباقه ولو قال إلا الإباق فله الرد بالإباق لأنه لم يضف الإباق إلى العبد ولا وصفه به فلم يكن اعترافا بوجود الإباق للحال لأن هذا الكلام كما يحتمل التبرؤ عن إباق موجود من العبد يحتمل التبرؤ عن إباق سيحدث في المستقبل فلا يكون مقرا بكونه آبقا للحال بالشك فلا يثبت حق الرد بالشك ا هـ .

                                                                                        ولو قال أنت بريء من كل حق لي قبلك دخل العيب هو المختار دون الدرك وفي الصغرى المشتري الأول إذا أبرأ بائعه عن العيب بعدما اطلع الثاني عليه صح ولا يرده على بائعه إذا رد عليه وفي الخانية إذا باع جارية وقال أنا بريء من كل عيب بها فهو بريء من كل عيب بها ولو قال أنا بريء منها لا يبرأ عن شيء من العيوب ولو قال أبرأتك عن كل عيب ولم يقل بها فهذه براءة عن كل عيب . ا هـ .

                                                                                        وفيها باع شيئا على أنه بريء من كل عيب لا يكون إقرارا بالعيب ولو شرط البراءة عن عيب واحد أو عيبين كان ذلك إقرارا بذلك العيب بيانه إذا باع عبدين على أنه بريء من كل عيب بهذا العبد بعينه وسلمهما إلى المشتري فاستحق أحدهما ووجد المشتري بالآخر عيبا لزمه المعيب بحصته من الثمن فيقسم الثمن على العبدين وهما صحيحان لا عيب بهما فإذا عرفت حصة المستحق رجع المشتري على البائع بحصة المستحق من الثمن ولو باع عبدين بثمن واحد على أنه بريء من عيب واحد بهذا ثم استحق أحدهما فوجد بالذي برئ عن عيب واحد عيبا فإنه يقسم الثمن عليهما على قيمة المستحق صحيحا وعلى قيمة الآخر وبه عيب واحد فإذا عرفت حصة المستحق رجع المشتري على البائع بذلك ا هـ . ما في الخانية .

                                                                                        ولم يذكر المصنف رحمه الله تعالى الصلح عن العيب كما لم يذكر الكفالة به وقدمنا طرفا منهما ولا بأس بذكرهما هنا تتميما للفائدة أما الأول فقدمنا أنه إن كان الدافع البائع والمبيع للمشتري كان جائزا حطا من الثمن وإن كان المشتري ليأخذه البائع لا وفي فتح القدير لو اصطلحا على أن يحط كل عشرة ويأخذ الأجنبي بما وراء المحطوط ورضي الأجنبي جاز وجاز حط المشتري دون البائع ولو قصر المشتري الثوب فإذا هو متخرق وقال المشتري لا أدري تخرق عند القصار أو عند البائع فاصطلحوا على أن يقبله المشتري ويرد عليه القصار درهما والبائع در هما جاز وكذا لو اصطلحا على أن يقبله البائع ويدفع له القصار درهما ويترك المشتري درهما قيل هذا غلط وتأويله أن يضمن القصار أولا للمشتري ثم يدفع المشتري ذلك للبائع ا هـ .

                                                                                        وفي الصغرى ادعى عيبا في جارية فأنكر فاصطلحا على مال على أن يبرئ المشتري البائع عن ذلك العيب ثم ظهر أنه لم يكن به هذا العيب أو كان بها لكن برئت وصحت كان للبائع أن يرجع على المشتري ويأخذ ما أدى من البدل وفي القنية باع المشتري بعد الصلح عن العيب ثم زال العيب في يد المشتري الثاني ليس للبائع أن يرجع على مشتريه ببدل الصلح إن زال بمعالجة المشتري الأول وإلا فلا . ا هـ .

                                                                                        وفيها اشترى حمارا ووجد به عيبا قديما فأراد الرد فصولح بينهما بدينار وأخذه ثم وجد به عيبا آخر قديما فله أن يرد مع الدينار وقيل يرجع بنقصان العيب ا هـ .

                                                                                        وإلى هنا ظهر أن [ ص: 74 ] خيار العيب يسقط بالعلم به وقت البيع أو وقت القبض والرضا به بعدهما أو اشتراط البراءة من كل عيب أو الصلح على شيء وفي جامع الفصولين لو اشتراه على أن عيبه حادث فظهر أنه قديم لا يرده أو الإقرار بأن لا عيب به إذا عينه قال في الصغرى إذا قال المشتري ليس به عيب لا يكون إقرارا بانتفاء العيوب حتى لو وجد به عيبا كان له أن يرده ولو عين فقال ليس بآبق كان إقرارا بانتفاء الإباق وكذا لو شهدوا أنه باع بشرط البراءة من كل عيب لا يكون إقرارا من الشهود بالعيب حتى لو اشتراه الشاهد فوجد به عيبا كان له أن يرد وكذا لو شهدوا على أنه باعه على أنه بريء من الإباق ثم اشتراه الشاهد فوجده آبقا فله الرد ولو على أنه بريء من إباقه فليس للشاهد رده بإباقه ا هـ .

                                                                                        وفي الولوالجية البائعة إذا تزوجت المشتري على أرش العيب صح وكان إقرارا منها بالعيب وكذا البائع إذا اشترى منه أرش العيب كان إقرارا به بخلاف الصلح عنه لا يكون إقرارا به وأما ضمانه ففي البزازية اشترى عبدا وضمن له رجل عيوبه فاطلع على عيب فرده لا ضمان عليه عند الإمام لأنه ضمان العهدة وعلى قول الثاني يضمن لأنه ضمان العيوب وإن ضمن السرقة أو الحرية أو الجنون أو العمى فوجده كذلك ضمن الثمن للمشتري وإن مات عنده قبل الرد قضى على البائع بالنقص ورجع به على الضامن ولو ضمن له بحصة ما يجده من العيوب من الثمن فهو جائز عند الإمام فإن رده المشتري رجع بكل الثمن على الضامن وإن لم يرده وقضى بالنقص على البائع رجع على الضامن كما يرجع على البائع وعن الثاني قال رجل للمشتري ضمنت لك عماه فكان أعمى فرده لم يرجع على الضامن بشيء ولو قال إن كان أعمى فعلى حصة العمى من الثمن فرده ضمن حصة العمى ولو وجد به عيبا فقال رجل للمشتري ضمنت لك هذا العيب فالضمان باطل ا هـ . والله أعلم .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله ولكن هذا على رواية الإسبيجابي إلخ ) جواب عن الإشكال بمنع الإجماع قال في فتح القدير أجيب بمنع أنه إجماع بأن في الذخيرة إذا باع بشرط البراءة من كل عيب وما يحدث بعد البيع قبل القبض يصح عند أبي يوسف خلافا لمحمد وذكر في المبسوط في موضع آخر لا رواية عن أبي يوسف فيما إذا نص على البراءة من كل عيب حادث ثم قال وقيل ذلك صحيح عنده باعتبار أنه يقيم السبب وهو العقد مقام العيب الموجب للرد ولئن سلمنا فالفرق أن الحادث يدخل تبعا لتقرير غرضهما وكم من شيء لا يثبت مقصودا ويثبت تبعا ا هـ .

                                                                                        ما في الفتح ( قوله وفي البدائع لو باع على أنه بريء إلخ ) قال في النهر مبني على قول محمد كما في الشرح وعند أبي يوسف [ ص: 73 ] يصح لأن الغرض إيجاد البيع على وجه لا يستحق فيه سلامة المبيع من العيب . ا هـ .

                                                                                        وهو بعيد بل ظاهر قوله عند متابعة ما في شرح الطحاوي ( قوله دخل العيب دون الدرك ) لأن العيب حق له قبله للحال والدرك لا كذا في الذخيرة [ ص: 74 ] ( قوله أو الإقرار بأن لا عيب به إلخ ) عطف على قوله بالعلم به وقت البيع .




                                                                                        الخدمات العلمية