الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله والسمك قبل الصيد ) أي لم يجز بيعه لكونه باع ما لا يملكه فيكون باطلا أطلقه فشمل ما إذا كان في حظيرة إذا كان لا يؤخذ إلا بصيد لكونه غير مقدور التسليم فيكون فاسدا ، ومعناه إذا أخذه ثم ألقاه فيها ، ولو كان يؤخذ بغير حيلة جاز إلا إذا اجتمعت فيها بأنفسها ، ولم يسد عليها المدخل لعدم الملك ، وروى الإمام أحمد مرفوعا { لا تشتروا السمك في الماء فإنه غرور } .

                                                                                        والحاصل أن عدم جوازه قبل أخذه لعدم ملكه له فإن أخذه ثم ألقاه في حظيرة كبيرة فعدم جوازه لكونه غير مقدور التسليم فإن سلمه بعد ذلك فكالروايتين في بيع الآبق إذا سلمه ، وإن كانت صغيرة جاز ، وله خيار الرؤية بعد التسليم ، ولا اعتبار برؤيته في الماء ، وإذا دخل السمك الحظيرة باحتياله ملكه ، وكان له بيعه على التفصيل ، وقيل لا مطلقا لعدم الإحراز ، والخلاف فيما إذا لم يهيئها له فإن هيأها له ملكه إجماعا فإن اجتمع بغير صنعه لم يملكه سواء أمكنه أخذه من غير حيلة أو لا ، وفي القاموس الحظيرة جرين التمر ، والمحيط بالشيء خشبا ، وقصبا . ا هـ .

                                                                                        وفسرها في البناية بالحوض والبركة أطلقه فشمل ما إذا باعه في نهر أو بحر أو أجمة ، وقد صرح الإمام أبو يوسف في كتاب الخراج بمنعه إذا كان في الآجام ، وإنه إذا كان يؤخذ باليد من غير أن يصاد فلا بأس ببيعه . ا هـ .

                                                                                        ، والأجمة الشجر الملتف ، والجمع أجم مثل قصبة ، وقصب ، والآجام جمع الجمع كذا في المصباح ، وفي فتح القدير فرع من مسائل التهيئة حفر حفيرة فوقع فيها صيد فإن كان اتخذها للصيد ملكه ، وليس لأحد أخذه ، وإن لم يتخذها له فهو لمن أخذه نصب الشبكة فتعلق بها صيد ملكه فإن كان نصبها ليجففها من بلل فتعلق بها لا يملكه ، وهو لمن يأخذه إلا أن يأخذه فيجوز ، ومثله إذا هيأ حجرة لوقوع النثار فيه ملك ما يقع فيه ، ولو وقع في حجره ، ولم يكن هيأه لذلك فلواحد أن يسبق ، ويأخذه ما لم يكف حجره عليه .

                                                                                        وكذا من هيأ مكانا للسرقين إلى آخره ، وسيأتي في باب متفرقات البيوع إن شاء الله تعالى ، وقد سئلت حين تأليف كتاب البيوع من هذا الشرح في سنة ثمان وستين وتسعمائة عن البحيرة بناحية [ ص: 80 ] كوم الشمس الجارية في وقف الحالي اليوسفي أيجوز إجارتها من الناظر لمن يصطاد السمك منا ففتشت ما عندي من الكتب فلم أرها إلا في كتاب الخراج لأبي يوسف قال وحدثنا عبد الله بن علي عن إسحاق بن عبد الله عن أبي الزناد قال كتبت إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه في بحيرة يجتمع فيها السمك بأرض العراق أن يؤاجرها فكتب أن افعلوا قال وحدثنا أبو حنيفة عن حماد قال طلبت إلى عبد الحميد بن عبد الرحمن فكتب إلى عمر بن عبد العزيز يسأله عن بيع صيد الآجام فكتب إليه عمر أنه لا بأس به ، وسماه الحبس ا هـ .

                                                                                        فعلى هذا لا يجوز بيع السمك في الآجام إلا إذا كان في أرض بيت المال ، ويلحق به أرض الوقف لكن بعد مدة رأيت في الإيضاح عدم جواز إجارته .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله جرين التمر ) أجرن التمر جمعه فيه ، والجرن بالضم حجر منقور يتوضأ منه ، واجترن اتخذ جرينا قاموس ( قوله وقد سئلت حين تأليف كتاب البيوع إلخ ) قال في النهر واعلم أن في مصر بركا صغيرة كبركة الفهادة تجمع فيها الأسماك هل تجوز إجارتها لصيد السمك منها نقل في البحر عن الإيضاح عدم جوازها ، ونقل أولا عن أبي يوسف في كتاب الخراج عن أبي الزناد قال كتبت إلى عمر بن الخطاب إلخ ، وما في الإيضاح بالقواعد الفقهية أليق ا هـ .

                                                                                        قال الرملي أقول : والذي علم مما تقدم عدم جواز البيع مطلقا سواء كان في بحر أو نهر أو أجمة ، وهو بإطلاقه أعم من أن يكون في أرض بيت المال أو أرض الوقف ، وما تقدم عن كتاب الخراج لأبي يوسف غير بعيد أيضا عن القواعد ، ومرجعه إلى إجازة موضع مخصوص لمنفعة معلومة هي الاصطياد ، وما حدث به أبو حنيفة عن حماد مشكل [ ص: 80 ] فإنه بيع السمك قبل الصيد ، ويجاب بأنه في آجام هيئت لذلك ، وكان السمك فيها مقدور التسليم فتأمل واعتن بهذا التحرير فإن المسألة كثيرة الوقوع فيكثر السؤال عنها .




                                                                                        الخدمات العلمية