الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله لا البيع إلى النيروز والمهرجان وصوم النصارى وفطر اليهود إن لم يدر العاقد أن ذلك ) أي لا يجوز البيع ، وهو فاسد لجهالة الأجل ، وهي مفضية إلى المنازعة في البيع لابتنائها على المماكسة إلا إذا كانا يعرفانه لكونه معلوما عندهما أو كان التأجيل إلى فطر النصارى بعدما شرعوا في صومهم بالأيام لأن صومهم [ ص: 96 ] بالأيام معلوم فلا جهالة فيه ، والنيروز أول يوم من الصيف ، وهو أول يوم تحل فيه الشمس الحمل ، والمهرجان أول يوم من الشتاء ، وهو أول يوم تحل فيه الشمس الميزان كذا في السراج الوهاج ثم قال وإنما خص الصوم بالنصارى ، والفطر باليهود لأن صوم النصارى غير معلوم ، وفطرهم معلوم ، واليهود بعكسه مع أنه إذا باع إلى صوم اليهود فالحكم كذلك لا يتفاوت فيكون المعنى إلى صوم النصارى وفطرهم ، وإلى فطر اليهود ، وصومهم فاكتفى بذكر أحدهما . ا هـ . .

                                                                                        ( قوله وإلى قدوم الحاج والحصاد والدياس والقطاف ) أي لا يجوز البيع إلى هذه الآجال لأنها تتقدم وتتأخر ، والحصاد بكسر الحاء وفتحها ، ومثله القطاف ، وهو للعنب ، والدياس ، وهو دوس الحب بالقدم ليتكسر ، وأصله الدواس بالواو لأنه من الدوس قلبت الواو ياء للكسرة قبلها ، ولم يذكر الجذاذ ، وذكره في الهداية ، واختلف في معناه فقيل جز الصوف من ظهور الغنم ، وقيل جذاذ النخل قاله الحلواني ، وفي نسخ الهداية ، وفتح القدير بالزاي المكررة أخت الراء ، وذكر الزيلعي أنه بالذال المعجمة عام في قطع الثمار ، وبالمهملة خاص في قطع النخل ا هـ .

                                                                                        فعلى هذا لم يكن بالزاي ، وذكره في المصباح في فصل الذال المعجمة وفصل الزاي ، وأن كلا منهما بمعنى قطع ، وهما من باب قتل قيد بالبيع إلى هذه الآجال لأنه لو باع مطلقا عنها ثم أجل الثمن إليها لم يفسد لكونه تأجيلا للدين فالمفسد ما كان في صلب العقد كذا في الهداية ، وفي فتاوى قاضي خان تبايعا بيعا جائزا ثم أخر الثمن إلى الحصاد قال محمد بن الفضل يفسد البيع ، وعن محمد لا يفسد [ ص: 97 ] ويصح التأخير لأن التأخير بعد البيع تبرع فيقبل التأجيل إلى مجهول كالكفالة إليها ، وقدمنا أنه لو باع بثمن مؤجل ، ولم يعينه ففيه خلاف ، وفي القنية باع بألف نصفه نقد ، ونصفه إلى رجوعه من دهشان فهو فاسد الفتوى على انصرافه إلى شهر ، وبينا مسائل التأجيل عند قوله ، وصح بثمن حال ومؤجل ، والله أعلم .

                                                                                        ( قوله ولو كفل إلى هذه الأوقات جاز ) لأن الجهالة اليسيرة متحملة في الكفالة ، وهذه الجهالة يسيرة مستدركة لاختلاف الصحابة فيها ، ولأنه معلوم الأصل ألا ترى أنها تحتمل الجهالة في أصل الدين بأن تكفل بما ذاب على فلان ففي الوصف أولى بخلاف البيع فإنه لا يحتملها في أصل الثمن فكذا في وصفه ، قيد بهذه الأوقات لأنه لو كفل إلى هبوب الريح فهي باطلة لأنها متفاحشة ، وتأتي في بابها .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قول المصنف إن لم يدر العاقدان ذلك ) قال الرملي ، ولو دراه أحدهما ، ولم يدر الآخر فكذلك لا يجوز لإفضائه إلى المنازعة ، وعبارة الإصلاح لابن كمال باشا إن لم يعرف أحدهما ذلك . ا هـ .

                                                                                        والعبارة الخالية من النقد إن لم يدريا أو أحدهما تأمل

                                                                                        . [ ص: 96 ] ( قوله والنيروز أول يوم من الصيف إلخ ) قال في النهر هذا إنما يتم بناء على أن الربيع من الصيف ، والخريف من الشتاء ، وقد مر في الصلاة نظيره ، وإلا فالفصول أربعة كما لا يخفى ، وقيل هما عيدان للمجوس . ا هـ .

                                                                                        وذكر قبله النيروز أول يوم من طرف الربيع تحل فيه الشمس برج الحمل ، والمهرجان يوم من طرف الخريف ، وهو أول يوم من الشتاء تحل فيه الشمس الميزان ا هـ .

                                                                                        ولا يخفى أن قوله ، وهو أول يوم من الشتاء مبني على أن الخريف من الشتاء ، وإلا فأول فصل الشتاء هو أول يوم تحل فيه الشمس في الجدي فلو أسقطه لكان أولى تأمل ، وفي القهستاني النيروز أنواع نيروز العامة ، وهو أول يوم من فرد مين ماه ، ونيروز الخاصة ، وهو النيروز الخاص ، ونيروز السلطان ، وهو أول يوم يكون في نصف نهار ، والشمس في أول درجة من درجات الحمل ، ونيروز المجوس ، ويقال له نيروز الدهاقين ، وهو اليوم الذي تحل فيه الشمس في الحوت ، والمهرجان نوعان عامة ، وهو أول يوم من الخريف أعنى اليوم السادس عشر من مهر ماه ، وخاصة وهو اليوم السادس والعشرون منه ا هـ .

                                                                                        ( قوله ثم قال إلخ ) قال الرملي لا يخفى على ذي فهم أن قوله في المتن إن لم يدر المتعاقدان ذلك تبعا لما في غيره إن المدار على عدم المتعاقدين لا غير لأخذ الجهالة علة في الفساد ، والحكم يدور معها كيفما دارت فيجب أن يكون النيروز والمهرجان وصوم النصارى وفطرهم ، وفطر اليهود ، وصومهم سواء في ذلك تأمل ( قوله مع أنه إذا باع إلى صوم اليهود فالحكم كذلك ) أي إن علماه صح ، وإلا فلا وتأمله مع قوله لأن صوم النصارى غير معلوم إلخ ، وفي القهستاني ، وصوم النصارى سبعة ، وثلاثون يوما في مدة ثمانية وأربعين يوما فإن ابتداء صومهم يوم الاثنين الذي يكون قريبا من اجتماع النيرين الواقع ثاني شباط وثامن آذار ولا يصومون يوم الأحد ولا يوم السبت إلا يوم السبت الثامن والأربعين ، ويكون فطرهم يعني يوم عيدهم يوم الأحد بعد ذلك ، وفطر اليهود أن يأكلوا سبعة أيام من خامس عشر من الشهر السابع من شهر تاريخهم ابتداؤه قبل سنة الروم بشهر لموافقة موسى وقومه ، وأما فطر اليهود كما في الهداية وغيرها فليس بيوم مشهور عنهم إلا أن يقال أريد يوم أفطروا فيه فإنهم يصومون بنص التوراة ستة وثلاثين يوما . ا هـ .

                                                                                        ( قول المصنف والدياس ) قال الرملي قال المطرزي الدياسة في الطعام أن يوطأ بقوائم الدواب ، ويكرر عليه الدوس يعني الجرجر حتى يصير تبنا ، والدياس صقل السيف ، واستعمال الفقهاء إياه في موضع الدياسة تسامح أو وهم . ا هـ .

                                                                                        ( قوله قال محمد بن الفضل يفسد البيع ) قدمنا عند قول المصنف في كتاب البيوع ، وصح بثمن حال ، وبأجل معلوم عن الخانية أيضا أن الفساد قول أبي حنيفة ، وأنه الصحيح ، وفي غاية البيان ، وقال شمس الأئمة السرخسي فإن قيل كون الجهالة اليسيرة متحملة في موضع لا يدل على أن يكون التأجيل إلى هذه الأوقات المجهولة متحملا ألا ترى أن الصداق يتحمل الجهالة اليسيرة حيث يتحمل جهالة الوصف ثم لا يصح فيه اشتراط هذه الآجال ا هـ .

                                                                                        ثم قال جواب هذا الفصل غير محفوظ في الكتب وبين مشايخنا فيه اختلاف ، والأصح أنه تثبت هذه الآجال في الصداق لأنه لا شك أن اشتراط هذه الآجال لا تؤثر في أصل النكاح بخلاف البيع فيبقى هذا خللا في الدين المستحق بالعقد [ ص: 97 ] ( قوله وقدمنا أنه لو باع إلخ ) قال الرملي قدم أنه يفتى بأنه يتأجل إلى شهر قال كأنه لأنه هو المعهود في الشرع في السلم ، واليمين ليقضين دينه آجلا فقوله وفي القنية إلى قوله فهو فاسد اعتراض بين قوله ، وقدمنا أنه لو باع بثمن مؤجل ، ولم يعينه ففيه خلاف وبين قوله والفتوى على انصرافه إلى شهر أو أنه لمسألة القنية ، وتكون العلة في ذلك أن العادة للذهاب والإياب عندهم شهر فصار كأنه ضربه بعينه ، وهذا هو الظاهر تأمل

                                                                                        .



                                                                                        الخدمات العلمية