الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله أو يبول أو يأكل على الطريق ) ; لأنه تارك للمروءة وإذا كان لا يستحي [ ص: 92 ] عن مثل ذلك لا يمتنع عن الكذب فيتهم وقدمنا أن اللعب بالشطرنج على الطريق كذلك والمراد بالأكل على الطريق والبول بأن يكون بمرأى من الناس ومثله الذي يكشف عورته ليستنجي من جانب البركة والناس حضور وقد كثر في زماننا كذا في فتح القدير وأشار المؤلف بما ذكره إلى أن ما يخل بالمروءة يمنع قبولها وإن لم يكن محرما ولذا قال في الهداية ولا تقبل شهادة من يفعل الأفعال المستحقرة مثل البول والأكل على الطريق والمروءة أن لا يأتي الإنسان بما يعتذر منه مما يبخسه عن مرتبته عند أهل الفضل وقيل السمت الحسن وحفظ اللسان وتجنب السخف والمجون والارتفاع عن كل خلق دنيء والسخف رقة العقل من قولهم ثوب سخيف إذا كان قليل الغزل كذا في فتح القدير والمعراج وفي غاية البيان من فصل التعزير قال محمد وعندي المروءة الدين والصلاح وقد ذكر مشايخنا مما يخل بالمروءة أشياء نذكرها فمنها الأمور الأربعة المذكورة ومنها ما في فتح القدير أخذا من المعراج المشي بسراويل فقط ومد رجله عند الناس وكشف رأسه في موضع يعد فعله خفة وسوء أدب وقلة مروءة وحياء ومصارعة الشيخ الأحداث في الجامع ومن ذلك ما حكي أن الفضل بن الربيع شهد عند أبي يوسف فرد شهادته فشكاه إلى الخليفة فقال الخليفة إن وزيري رجل دين لا يشهد بالزور فلم رددت شهادته قال لأني سمعته يوما قال للخليفة أنا عبدك فإن كان صادقا فلا شهادة للعبد وإن كان كاذبا فكذلك فعذره الخليفة زاد في فتح القدير بعده والذي عندي أن رد أبي يوسف شهادته ليس للكذبة ; لأن قول الحر للغير أنا عبدك إنما هو مجاز باعتبار معنى القيام بخدمتك وكوني تحت أمرك ممتثلا له على إهانة نفسي في ذلك إلى آخره وليس منها الصناعة الدنية كالقنواتي والزبال والحائك فإن الصحيح القبول إذا كان عدلا ومثله النخاسون والدلالون والعامة على قبول شهادة الأعرابي والقروي إذا كان عدلا . ا هـ .

                                                                                        وقد ذكرنا في شرح المنار أن منها سرقة لقمة والإفراط في المزح المفضي إلى الاستخفاف وصحبة الأراذل والاستخفاف بالناس ولبس الفقيه قباء ولعب الحمام ا هـ .

                                                                                        ثم اعلم أنهم شرطوا في الصغيرة الإدمان وما شرطوه في فعل ما يخل بالمروءة فيما رأيت وينبغي اشتراطه بالأولى وإذا فعل ما يخل بها فقد سقطت عدالته وإن لم يكن فاسقا به حيث كان مباحا ففاعل المخل بها ليس بعدل ولا فاسق فالعدل من اجتنب الثلاثة والفاسق من فعل كبيرة أو أصر على صغيرة ولم أر من نبه عليه وفي العتابية لا تقبل شهادة من يعتاد الصياح في الأسواق

                                                                                        [ ص: 91 - 92 ]

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        [ ص: 91 - 92 ] ( قوله زاد في فتح القدير إلخ ) قال الرملي تمام ما في فتح القدير والتكلم بالمجاز على اعتبار الجامع فإن وجه الشبه ليس كذبا محظورا شرعا ولذا وقع المجاز في القرآن ولكنه رده لما يدل عليه خصوص هذا المجاز من إذلال نفسه وطاعته لأجل الدنيا فربما يضر هذا الكلام إذا قيل للخليفة فعدل إلى الاعتذار بأمر يقرب من خاطره ( قوله وليس منها الصناعة الدنية إلخ ) قال الرملي فتحرر أن العبرة للعدالة لا للحرفة وهذا الذي يجب أن يعول عليه ويفتى به فأنا نرى بعض أصحاب الحرف الدنية عنده من الدين والتقوى ما ليس عند كثير من أرباب الوجاهة وأصحاب المناصب وذوي المراتب { إن أكرمكم عند الله أتقاكم } .




                                                                                        الخدمات العلمية