الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله والذمي على مثله ) ; لأنه عليه الصلاة والسلام أجاز شهادة النصارى بعضهم على بعض ; ولأنه من أهل الولاية على نفسه وأولاده الصغار فيكون من أهل الشهادة على جنسه [ ص: 94 ] والفسق من حيث الاعتقاد غير مانع ; لأنه يجتنب عما يعتقده محرم دينه والكذب محظور الأديان قيد بالذمي لأن المرتد لا شهادة له ; لأنه لا ولاية له واختلفوا في شهادة مرتد على مثله والأصح عدم قبولها بحال كذا في المحيط البرهاني وقيد بقوله على مثله ; لأنها لا تقبل على مسلم للآية { ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا } ولأنه لا ولاية له بالإضافة إليه ولأنه يتقول عليه لأنه يغيظه قهره إياه وفي الولوالجية نصرانيان شهدا على نصراني بقطع يد أو قصاص ثم أسلم المشهود عليه بعد القضاء بطلت الشهادة ; لأن الإمضاء من القضاء في العقوبات ا هـ .

                                                                                        وفي تلخيص الجامع للصدر سليمان نصراني مات عن مائة فأقام مسلم شاهدين عليه بمائة ومسلم ونصراني بمثله فالثلثان له والباقي بينهما والشركة لا تمنع ; لأنها بإقراره بخلاف الإقرار لوارثه وأجنبي نظيره أقر لأجنبي في مرضه فأقر لوارثه وعن أبي يوسف النصف لهما للاستواء ولو كان المنفرد نصرانيا فالثلث له والباقي لهما ويقدم المسلم .

                                                                                        وكذا لو كان شهود الشريكين مسلمين وشهودهما نصرانيان أو مسلمان استويا نصراني مات عن ابنين وأسلم أحدهما فأقام مسلم شاهدين نصرانيين بعد موته وقسمت تركته بدين عليه يؤخذ من نصيب غير المسلم لعدم الحجة عليه كإقراره ولو أقام المسلم ذميين وذمي مثلهما يقدم المسلم وعن أبي يوسف يستويان قال محمد هو قوله الأخير وعلى هذا لو كان حيا وادعيا عينا في يده وعنه أنها للمسلم وفرق بتعلقه بالمحل ا هـ .

                                                                                        وفي المجمع ولو اشترى ذمي دارا من مسلم فادعاها ذمي أو مسلم بشهادة ذميين يقبلهما في حقه ورداها ا هـ .

                                                                                        وفي الخلاصة من ألفاظ التكفير شهد نصرانيان على نصراني أنه قد أسلم وهو يجحد لم تجز شهادتهما وكذا لو شهد رجل وامرأتان من المسلمين ويترك على دينه وجميع أهل الكفر في ذلك سواء ولو شهد نصرانيان على نصرانية أنها أسلمت جاز وأجبرها على الإسلام ولا تقتل وهذا كله قول أبي حنيفة ا هـ .

                                                                                        وفي المحيط البرهاني لو شهد على إسلام النصراني رجل وامرأتان من المسلمين وهو يجحد أجبر على الإسلام ولا يقبل ولو شهد رجلان من أهل دينه وهو يجحد فشهادتهما باطلة ; لأن في زعمهم أنه مرتد ولا شهادة لأهل الذمة على المرتد . ا هـ .

                                                                                        وفي المحيط تقبل شهادة الكافر على العبد الكافر التاجر وإن كان مولاه مسلما وعلى العكس لا تقبل ; لأن في الأول قامت على إثبات أمر على الكافر ; لأن الدين يثبت على العبد واستحقاق مالية المولى غير مضاف إلى الشهادة ; لأنه ليس من ضرورة وجوب الدين عليه استحقاق مالية المولى لا محالة بل ينفك عنه في الجملة وفي الثانية قامت على إثبات أمر على المسلم والوكيل مع الموكل بمنزلة العبد مع المولى [ ص: 95 ] ولا تقبل شهادة كافرين على شهادة مسلمين وعلى العكس تقبل وتقبل شهادة الذمي بدين على ذمي ميت وإن كان وصيه مسلما بشرط أن لا يكون عليه دين لمسلم فإن كان فقد كتبناه عن الجامع وفي الخانية ذمي مات فشهد عشرة من النصارى أنه أسلم لا يصلى عليه بشهادتهم وكذا لو شهد فساق من المسلمين ولو كان لهذا الميت ولي مسلم وبقية أوليائه كفار من أهل دينه فادعى الولي المسلم أنه أسلم وأنه أوصى إليه وأراد أن يأخذ ميراثه وشهد اثنان من أهل الكفر بذلك يأخذ المولى المسلم ميراثه بشهادتهما ; لأن شهادتهم على الإسلام في حكم الميراث قامت على أوليائه الكفار ويصلى عليه بشهادة وليه المسلم إن كان عدلا ولو لم يشهد على إسلامه غير الولي يصلى عليه بقول وليه المسلم ولا ميراث له ا هـ .

                                                                                        ثم قال لو شهد على نصراني أربعة من النصارى أنه زنى بأمة مسلمة فإن شهدوا وأنه استكرهها حد الرجل وإن قالوا طاوعته درئ الحد عنهما ويعزر الشهود لحق المسلمة لقذفهم الأمة . ا هـ .

                                                                                        وفي البدائع من النكاح لو ادعى مسلم عبدا في يد ذمي أنه عبده وشهد كافران أنه عبده قضى به القاضي فلان لم تقبل لكونها شهادة على القاضي المسلم وفي خزانة الأكمل ولو شهد كافران على شهادة مسلمين لكافر على كافر لم تجز ولو شهد مسلمان على شهادة كافر جازت ا هـ .

                                                                                        ثم اعلم أنه لا بد من التزكية في شهادة الذمي قال في الولوالجية تزكية الذمي أن تزكيه بالأمانة في دينه ولسانه ويده وأنه صاحب يقظة ا هـ .

                                                                                        وأفتى به قارئ الهداية وأصله في النوازل وفي خزانة الأكمل معزيا إلى العيون شهد كافران على كافر فعدلا ثم أسلم وأسلما يؤمران أن يعيدا الشهادة ويكفي تعديلهما في الكفر وإنما تعديل الكفار إلى المسلمين فإن تعديل الكافر للكافر لا يجوز ثم يسأل أولئك عن الشهود . ا هـ .

                                                                                        وقدمنا في مسائل التعديل أن تعديل الكافر بالمسلمين إن وجد وإلا فيسأل من عدول الكفار وفي الملتقط إذا سكر الذمي لا تقبل شهادته . ا هـ .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قول المصنف والذمي على مثله ) قال الرملي وفي التتارخانية شهادة أهل الذمة بعضهم على بعض مقبولة وفي التجريد إذا كانوا عدولا في دينهم اتفقت مللهم أو اختلفت وفي التفريد وعند مالك تقبل إذا اتفقت مللهم وعند الشافعي لا تقبل أصلا ا هـ .

                                                                                        وكتب الرملي أيضا وإن اختلفا ملة كاليهود مع النصارى كذا في شرح تنوير الأبصار ومثله في لسان الحكام لابن الشحنة وشرحي المجمع للمصنف وابن ملك وكثير من الكتب كالغياثية والكفاية ودارا كما في العناية والكفاية وكثير من الكتب ا هـ .

                                                                                        قلت والظاهر أن العداوة بين اليهود والنصارى دينية وإلا لم تقبل فتأمل [ ص: 94 ] ( قوله لأنه يغيظه قهره إياه ) قال الرملي الضمير في أنه ويغيظه راجع للذمي وفي قهره راجع للمسلم أي ; لأنه بسبب قهر المسلم إياه وإذلاله له يتقول عليه بخلاف ملل الكفر ; لأن ملة الأحلام قاهرة للكل فلم يبق لهم غيرة يستظهرون بها .

                                                                                        ( قوله فالثلثان له والباقي بينهما ) أي الثلثان للمسلم المنفرد والباقي للمسلم والنصراني ذكر في الذخيرة عبارة الجامع ولم يبين وجه ذلك ثم ذكر مسألة أخرى وهي نصراني مات وترك ألف درهم وأقام مسلم شهودا من النصارى على ألف على الميت ونصراني آخرين كذلك يدفع الألف المتروكة للمسلم ولا يتحاصان فيها عنده وعند أبي يوسف يتحاصان والخلاف راجع إلى أن بينة النصراني مقبولة عنده في حق إثبات الدين على الميت لا في حق إثبات الشركة بينه وبين المسلم وعلى قول الثاني مقبولة فيهما ا هـ .

                                                                                        لكن يبقى وجه اختصاص المسلم المنفرد بالثلثين في مسألتنا ولعله هو أن البينة تقتضي أن لكل من الثلاثة المدعين ثلث المائة لكن الشهادة الثانية لا تثبت مشاركة النصراني لكل من المسلمين فيعود الثلث الذي كان يستحقه للمسلم المنفرد وإنما لا يعود منه للمسلم الآخر شيء ; لأنه مقر بأن له حقا في المال بقدر حقه ولهذا يرجع النصراني ويقاسمه في الثلث الذي أخذه لإقراره بأنه شريكه فيما له على الميت فلم تكن مشاركته له بالبينة تأمل ثم رأيت الرملي قال عبارة التلخيص كافر مات عن مائة فأقام مسلم كافرين بمائة وأقام مسلم وكافر كذلك فثلثاها للمنفرد والثلث للشريكين عكس ما لو كان المنفرد كافرا وشهودا الشريكين مسلمان ; لأن شهادة الكافر حجة للمسلم لا عليه فضرب كل مسلم فيها بقدر حقه أولا وكل كافر في الباقي كما في دين الصحة والمرض وقاسم الشريك شريكه لكن بحجة الزعم دون الشهادة . ا هـ .

                                                                                        ( قوله يقبلهما ) قال الرملي أي أبو يوسف في قوله الأخير وإذا قبلت يقضي بها على المشتري خاصة ولا يكون له أن يرجع على البائع وبيان إمكان القضاء بها في حق الكافر أن يقضي بالملك للمدعي بسبب جديد من جهة المدعى عليه ( قوله وكذا لو شهد رجل وامرأتان من المسلمين ويترك على دينه ) قال الرملي والوجه فيه أنه لو قبلت للزم القتل بشهادة رجل وامرأتين تأمل وفي المنهاج للعلامة أبي حفص عمر نصراني مات فجاء مسلم ونصراني وأقام كل واحد منهما البينة أن له على الميت دينا فإن كان شهود الفريقين ذميين أو شهود النصراني ذميين بدئ بدين المسلم فإن فضل شيء صرف إلى دين النصراني وروى الحسن عن أبي يوسف أنه يجعل بينهما على قدر دينهما قيل أنه قول أبي يوسف الأخير وإن كان شهود الفريقين مسلمين أو شهود الذمي خاصة مسلمين فالمال بينهما في قولهم . ا هـ .

                                                                                        ( قوله وعلى العكس لا تقبل ) أي شهادة الكافر على العبد المسلم التاجر وإن كان مولاه كافرا [ ص: 95 ] ( قوله فقد كتبناه عن الجامع ) قال الرملي قال في الكتاب أجزت بينة المسلم وأعطيت حقه فإن بقي شيء كان للكافر وروى الحسن بن زياد أن التركة تقسم بينهما على مقدار دينهما ا هـ .

                                                                                        من التتارخانية ثم قال ولو كان النصراني حيا وفي يده عبد ادعاه مسلم ونصراني وأقام كل منهما شاهدين نصرانيين فهو للمسلم قال محمد هو قول أبي يوسف أيضا وروى الحسن بن زياد عن أبي يوسف أن العبد بينهما نصفان . ا هـ .

                                                                                        ( قوله فلان ) بدل من القاضي .




                                                                                        الخدمات العلمية