الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        قال رحمه الله ( ، وإنما يقتص بالسيف ) وقال الشافعي رحمه الله تعالى يقتص بمثل ما قتل إن قتله بفعل مشروع ، وإن قتله بغير فعل مشروع كلواطة يتخذ له خشبة ويفعل به كما فعل ولنا ما رواهسفيان من قوله عليه الصلاة والسلام { لا قود إلا بالسيف } ، وهو نص على نفي استيفاء القود بغير السيف فكيف يلحق به دلالة ما كان سلاحا من غير السيف وهل يتصور أنه يدل كلام واحد على نفي شيء وإثباته معا والحق أن يكون المراد بالسيف في الحديث المزبور السلاح مطلقا بطريق الكتابة كما أشار إليه المصنف بقوله والمراد به السلاح وصرح به صاحب الكافي والكفاية حيث قالا ولنا قوله عليه الصلاة والسلام { لا قود إلا بالسيف } والمراد بالسيف السلاح هكذا فهمت الصحابة رضي الله تعالى عنهم وقال في النهاية ، فإن قيل يحتمل أن يكون المراد من الحديث لا قود يجب إلا بالسيف لا أن يكون معناه لا قود يستوفى قلنا القود اسم لفعل هو جزاء القتل دون ما يجب شرعا ، وإن حمل عليه كان مجازا ; ولأن القود قد يجب بغير السيف كالقتل بالنار والإبرة فلم يمكن حمله عليه لوجود وجوب القود بدون القتل بالسيف ، وإنما السيف مخصوص بالاستيفاء ا هـ .

                                                                                        وما رواه كان مشروعا ثم نسخ كما نسخت المثلة أو يكون اليهودي ساعيا في الأرض بالفساد فيقتل كما يراه الإمام ليكون أردع ، وهذا هو الظاهر ; ولأن اليهودي كان أخذ المال [ ص: 339 ] ألا ترى إلى ما روي في الخبر عن أنس بن مالك أنه قال عدا يهودي على جارية فأخذها بما معها الحديث ، وهذا شأن قطاع الطريق ، وهذا يقتل بأي شاء الإمام ويؤيد ، هذا المعنى ما روي { أنه عليه الصلاة والسلام قتل اليهودي بخلاف ما كان قتل به الجارية } والاستيفاء إما أن يكون بحكم الإرث أو الملك أو بحكم السلطنة والولاية والمستحق للقصاص والدية الورثة مثل ما يستحق ماله على فرائض الله تعالى .

                                                                                        يدخل في ذلك الزوج والزوجة والوارث يقوم مقام المورث في استحقاق كل ما كان له من الأملاك والحقوق إلا أن الدية تجب حقا للميت ابتداء حتى تقضى منها ديونه وتنفذ وصاياه ثم تثبت للورثة بطريق الخلافة والوراثة عند أبي حنيفة رضي الله عنه حتى لو أقام واحد من الورثة البينة على القصاص لا يملك أن يقتص وحده ولا ينفرد أحدهم بالاستيفاء إذا كانوا كبارا حتى يجتمعوا ; لأنا لو أطلقنا للبعض الاستيفاء مع غيبة الباقين يؤدي إلى إبطال حق الباقين في الاستيفاء وكذلك ليس للسلطان استيفاؤه مع الكبير عنده خلافا لهما حجتهم أن ملك القصاص ثابت في المحل للكل بدليل أنهم يملكون الاعتياض والعفو عنه ويستوفى بحكم الملك عن الاختيار ، ولو مات أحدهم يورث نصيبه وهذه فوائد الملك وثمراته وملك الصغير معصوم محترم وأثر العصمة أن لا يقدر أحد على إبطاله إلا بعوض له إذ استيفاؤه معجلا منجزا يكون منتظما دافعا للمفسدة ، وهي صون القود وحفظه عن نظيره فالفوات إليها إما بجهة الغيبة أو بجهة الموت ، فإن مدة الصبا مدة مديدة والموت في هذه المدة المديدة غير نادر وتغييب القاتل نفسه على وجه لا يطلع أحد عليه مخافة على نفسه غالب وليس بنادر .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        الخدمات العلمية