الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        قال رحمه الله ( ولو قال بين زيد وعمرو لزيد نصفه ) أي إذا قال ثلث مالي بين زيد وعمرو ، وعمرو ميت كان لزيد نصف الثلث لأن كلمة بين توجب [ ص: 478 ] التنصيف فلا يتكامل لعدم المزاحمة بخلاف ما إذا قال لفلان وفلان فبان أحدهما ميتا حيث يكون للحي كل الثلث لأن الجملة الأولى كلام يقتضي الاختصاص بالحكم لأن العطف يقتضي المشاركة في الحكم المذكور ، والمذكور وصية بكل الثلث ، والتنصيف بكل المزاحمة فإن زالت المزاحمة تكامل ، ألا ترى أن من قال ثلث مالي لفلان ، وسكت كان له جميع الثلث ، ولو قال ثلث مالي بين فلان وسكت لم يستحق الثلث كله بل نصفه ألا ترى إلى قوله تعالى { ونبئهم أن الماء قسمة بينهم } اقتضى أن يكون النصف بدليل قوله تعالى { لها شرب ولكم شرب يوم معلوم } قال رحمه الله ( وبثلثه له ولا مال له له ثلث ما يملكه عند الموت ) لأن الوصية عقد الاستخلاف مضاف إلى ما بعد الموت ، ويثبت حكمه بعده فيشترط وجود المال عند الموت سواء اكتسبه بعد الوصية أو قبلها بعد أن لم يكن الموصى به عينا أو عينا معينا ، وأما إذا أوصى بعين أو بنوع من ماله كثلث غنمه فهلكت قبل موته فتبطل الوصية لأنها تعلقت بالعين فتبطل بفواتها قبل الموت حتى لو اكتسب غنما أخرى أو عينا أخرى بعد ذلك لا يتعلق حق الموصى له بذلك .

                                                                                        ولم يكن له غنم عند الوصية فاستفادها ثم مات فالصحيح أن الوصية تصح لأنها لو كانت بلفظ المال تصح فكذا إذا كانت بلفظ نوعه لأن المعتبر وجوده عند الموت لا غير ، ولو قال له شاة من مالي ، وليس له غنم يعطى له قيمة شاة لأنه لما أضاف الشاة إلى المال علمنا أن مراده الوصية بمالية الشاة إذ ماليتها توجد في مطلق المال ألا ترى إلى قوله عليه الصلاة والسلام { في خمس من الإبل السائمة شاة } ، وعين الشاة لم توجد في الإبل ، وإنما توجد في ماليتها ، ولو أوصى بشاة ، ولم يضفها إلى ماله ولا غنم قيل لا تصح لأن المصحح إضافتها إلى المال ، وبدون الإضافة إلى المال تعتبر صورة الشاة ، ومعناها ، وقيل تصح لأنه لما ذكر الشاة ، وليس في ملكه شاة علم أن مراده المالية ، ولو قال شاة من غنمي ولا غنم له فالوصية باطلة لأنه لما أضافها إلى الغنم علمنا أن مراده عين الشاة حيث جعلها جزءا من الغنم بخلاف ما إذا أضافها إلى المال ، وعلى هذا خرج كل نوع من أنواع المال كالبقر والثوب ، ونحوها اعلم أنه وقع في عبارة الوقاية ولا شاة له موضع ولا غنم له الواقع في عبارة الهداية في وضع هذه المسألة فقال صدر الشريعة في شرحه للوقاية ، واعلم أنه قال في الهداية ولا غنم له ، وقال في المتن ولا شاة له وبينهما فرق لأن الشاة فرد من الغنم .

                                                                                        وإذا لم يكن له شاة لا يكون له غنم لكن إذا لم يكن له غنم لا يلزم أن لا يكون له شاة لاحتمال أن يكون له واحدة لا كثير فعبارة الهداية تتناول صورتين ما إذا لم يكن له شاة أصلا وما يكون له شاة لا غنم له في الصورتين تبطل الوصية ، وعبارة المتن لم تتناول إلا الصورة الأولى ، ولم يعلم منها الحكم في الصورة الثانية فعبارة الهداية أشمل ، وأحوط ا هـ . كلامه .

                                                                                        ورد عليه صاحب الإصلاح والإيضاح حيث قال في شرحه إنما قال ولا شاة ، ولم يقل ولا غنم له كما قال صاحب الهداية لأن الشاة فرد من الغنم ، وإذا لم يكن له شاة لا يكون له غنم بدون العكس ، والشرط عدم الجنس لا عدم الجمع حتى لو وجد الفرد تصح الوصية يفصح عن ذلك قول الحاكم الشهيد في الكافي ، ولو قال شاة من غنمي أو قفيز من حنطتي فإن الحنطة اسم جنس لا اسم جمع . ا هـ .

                                                                                        وقال في حاشيته أخطأ هذا صدر الشريعة حيث قال تبطل الوصية في الصورتين . ا هـ .

                                                                                        وقصد بعض المتأخرين أن يجيب عنه بعدما نقل كلام صدر الشريعة ، واعترض عليه بعض الأفاضل بما حاصله أن عبارة الوقاية هي الصواب ، وأن الحكم في وجود الفرد صحة الوصية ، وزعم أن الشرط عدم الجنس لا عدم الجمع قلت بعد تسليم إن الغنم جمع أو اسم جمع لا اسم جنس ، وإن بقي الغنم كما وقع في عبارة الهداية وعامة الكتب هو الصواب ، وأنه لا تصح الوصية بوجود شاة واحدة لأن الشرط عدم الجمع لا عدم الجنس كما زعمه المعترض لأنه أوصى بشاة من غنمه فإذا لم يكن له غنم بل فرد لم يتحقق شاة من غنمه فتبطل الوصية فهذا هو السر في تعميم الغنم دون الشاة إلى هنا كلامه .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        الخدمات العلمية