الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [في أقسام المسلم فيه]

                                                                                                                                                                                        والمسلم فيه ثلاثة: المكيل والموزون.

                                                                                                                                                                                        والثاني: العروض وما شابهها، مما لا يجري فيه كيل ولا وزن.

                                                                                                                                                                                        والثالث: الحيوان والعبيد والإبل والبقر، والغنم والخيل والبغال والحمير والطير وغيرها.

                                                                                                                                                                                        فأما المكيل والموزون فالأصل فيه حديث ابن عباس وقد تقدم.

                                                                                                                                                                                        وأما العروض فلم يأت فيه حديث، وأجمع أهل العلم على جواز السلم فيها على صفة يحصرها ويرفع الغرر منها، ولم يأت أيضا في السلم في الحيوان [ ص: 2879 ] حديث صحيح، واختلف أهل العلم في جواز السلم فيه: فأجاز ذلك مالك والشافعي.

                                                                                                                                                                                        وقال به من الصحابة: علي وابن عباس وابن عمر، ومن التابعين: سعيد بن المسيب والحسن البصري والنخعي وأحمد وإسحاق، ومنع ذلك أبو حنيفة، ورأى أن الصفة فيه لا تنحصر.

                                                                                                                                                                                        واحتج من أجاز ذلك بحديث أبي رافع في استقراض البكر، وبالحديث في قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا تنعت المرأة المرأة لزوجها كأنه ينظر إليها». وتحمل العاقلة دية الخطأ، وهي إبل، وكل هذا فيه نظر؛ لأن القرض معروف فيستخف فيه ما لا يستخف فيما خرج على وجه البيع والمكايسة، ولأن الغرر فيما أحضر مثله، وقيل مثل هذا أخف فيما لا يحضر مثله؛ لأن القرض تقدمت له عين مرئية فيرد مثله.

                                                                                                                                                                                        وأما النهي عن نعت المرأة، فإن ذلك لأنها إن كانت قبيحة كان في نعتها ذمها وكشفها أن تعيبها لزوجها، وإن كانت جميلة فقد توقع في نفس [ ص: 2880 ] المنعوت له شيئا، وكل هذا للمرأة مذموم، وإن لم تأت بحقيقة الأمر في الصفة كان كذبا.

                                                                                                                                                                                        وأما الدية فالأصل فيها أوسع، وهي من باب غرم المتلف، فلم تكن كابتداء البيع.

                                                                                                                                                                                        وقد قال سحنون في الشقص يؤخذ عن دية الخطأ: إنه إن كانت الدية عينا استشفع بمثلها، وإن كانت إبلا استشفع بقيمتها لا بمثلها؛ لأن الذي تغرمه العاقلة ليس له صفة محصورة في الجودة والدناءة، غير أن الصفة تتقارب فيما سوى بني آدم، وتتباين في آدم، وهي في العلي من الجواري أشد تباينا.

                                                                                                                                                                                        وقد يكون للرجل العبد، وهو ببلد لو كان جميعهم عبيدا لم يجد من يوافقه في جميع صفاته في سنه وطوله ولونه وجسمه وجماله ونشاطه وقوته وفهمه وذكائه وشمائله وأمانته، وقد يقول في حليته إذا باعه أو أسلمه فيه أكحل أقرن لون كذا فيجد في البلد الخلق العظيم يدخلون تحت تلك الصفة، فإذا أحضرتهم تباينوا في الثمن.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية