الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [في بيع الثمار قبل بدو صلاحها بشرط البقاء]

                                                                                                                                                                                        وبيعها قبل الصلاح على البقاء على ثلاثة أوجه: يمنع في وجهين، ويجوز في وجه، فيمنع إذا شرطا أن المصيبة من المشتري، وسواء كان البيع [ ص: 2897 ] بالنقد أم لا، ويمنع إذا شرطا أن المصيبة من البائع، وكان البيع بالنقد؛ لأنه تارة سلف، وتارة بيع.

                                                                                                                                                                                        ويجوز إذا كانت المصيبة من البائع، والبيع بغير نقد.

                                                                                                                                                                                        والأصل في الأول حديث أنس - رضي الله عنه - قال: «نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الثمار قبل أن تزهي»، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أرأيت إن منع الله الثمرة، بم يأخذ أحدكم مال أخيه؟» يريد: إذا بيعت على أن المصيبة على المشتري، فأحب البائع أن يأخذ الثمن بعد أن أجيحت.

                                                                                                                                                                                        وهذا الحديث أصل في كل مبيع لا يتوصل إلى قبضه إلا إلى وقت لا يدرى هل يسلم المبيع إلى ذلك الوقت أم لا؟ لأن البيع على أن المصيبة من المشتري فاسد، ولا يمنع إذا كان بغير نقد، وكانت المصيبة من البائع، لحديث زيد بن ثابت قال: كان الناس في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - يتبايعون الثمار، فإذا جد الناس وحضر تقاضيهم قال المبتاع: أصاب الثمر الدمان، أصابه مراض، أصابه قشام -عاهات يحتجون بها- فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما كثرت عنده الخصومة في ذلك: «فإما لا، فلا يتبايعوا حتى يبدو صلاح الثمر» كالمشورة [ ص: 2898 ] يشير بها عليهم لما كثرت الخصومة، ذكر هذا الحديث البخاري.

                                                                                                                                                                                        وقد تضمن هذا الحديث ثلاث فوائد:

                                                                                                                                                                                        جواز البيع على البقاء بغير نقد إذا كانت المصيبة من البائع، بقول زيد: فإذا جد الناس وحضر تقاضيهم.

                                                                                                                                                                                        فيه دليل أن البيع كان بغير نقد، وأن امتناعهم من النقد عند الجوائح؛ لأنهم كانوا يدخلون على أن المصيبة من البائع، ولولا ذلك لم يكن لاحتجاجهم بالجوائح وجه.

                                                                                                                                                                                        وأن البيع كان قبل بدو الصلاح، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «لا تتبايعوا حتى يبدو صلاحها». وقال زيد: كان ذلك كالمشورة عليهم.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية