الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [في الوصية إذا قال : إن مت من مرضي أو في سفري هذا فأنت حر ولم يكتب كتابا]

                                                                                                                                                                                        وإن قال : إن مت من مرضي أو في سفري هذا فأنت حر ، ولم يكتب كتابا فصح أو قدم ، سقطت الوصية ، وهو في الكتاب بذلك على ثلاثة أوجه : فإن كانت على يدي غيره فلم يأخذها منه بعد صحته أو قدومه أنفذت ، وإن [ ص: 3563 ] أخذها سقطت .

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا كانت من الأول عنده ، فقال مالك مرة : تثبت ، وقال في المجموعة : لا تثبت لأن أكثر وصايا الناس عند السفر والمرض ثم يزول ذلك فيثق بوصيته أنها موضوعة فيقرها فهي نافذة . قال سحنون : والرواية الأخرى أنها إن كانت عنده فهي باطل- أحسن .

                                                                                                                                                                                        وقال أيضا : إن قال : إن مت من مرضي ثم صح فلم يغير وصيته حتى مرض مرضا ثانيا فمات وقد أقر الوصية فهي نافذة ، وقاله أشهب قال : لأنه لما أقرها في المرض الثاني فكأنه عناه ، قال : وكذلك السفر إن مات في سفر آخر . قال مالك : وإن قال : إن مت فيما بيني وبين سنة ، فيذكر وصيته فيموت بعد الأجل فهي نافذة . وكذلك الحامل تقول : إن مت من هذا الحمل فتموت من غير حمل .

                                                                                                                                                                                        والأصل متى علق نفوذها بشرط مرض أو سفر أو أجل أو حمل فلم يمت منه أن تسقط لعدم الشرط الذي أوجب نفوذها به ، إلا أن يكون القصد عنده نفوذها به متى مات منه أو من غيره ، فصار كالذي يقول : إن مت مطلقا ولم يقيده بشرط فتنفذ إن كانت عنده أو عند غيره ولم ينتزعها وراعى مرة في [ ص: 3564 ] الشرط إن كانت عنده ولم يراعه إذا كانت عند غيره وأقرها ، ورأى أن إقراره قصد لإنفاذها .

                                                                                                                                                                                        وإذا قبل الوصي الوصية في صحة الموصي أو مرضه ثم رجع عنها في حياته كان ذلك له . قال أشهب في كتاب محمد : لأنه لم يغره وإن رجع بعد موت الموصي لم يكن ذلك له ، قال أشهب : وكذلك إن قبلها بعد موته أو كان منه ما يدل على القبول من البيع والشراء والقضاء والاقتضاء ، ولا فرق بين رجوعه قبل ولا بعد إذا كان قبوله بعد ; لأنه لم يغره . وقال أبو محمد عبد الوهاب وأبو الفرج : إذا قبل الموصى إليه الوصية لم يكن له تركها . وهو أحسن; لأن قبولها التزام فلا فرق بين رجوعه في الحياة أو بعد الموت إلا أن تطول مدة السفيه بعد البلوغ وهو على السفه ، فللوصي أن ينتزع من النظر له; لأنه لم يلتزم النظر إلا إلى الوقت المعتاد .

                                                                                                                                                                                        وإن قال : فلان وصي حتى يقوم فلان جاز ، ولهذا أن ينظر في جميع ما ينظر فيه الوصي حتى يقدم الغائب ، ثم لا يخلو الغائب من أن يقيم هناك أو يموت أو يقدم فيقبل أو لا يقبل . وقال أشهب في المجموعة : إن مات في غيبته فلا وصية للحاضر وينظر السلطان . وكذلك على قوله إذا أقيم فلم يقبل ، وهذا الذي يقتضيه مجرد قول الميت إلا أن يكون السبب في إقامة الغائب امتناع الحاضر من قبول الوصية ، فقيل له : تكلف ذلك حتى يقدم فلان فإذا كان ذلك السبب جاز أن يتمادى في جميع هذه الوجوه إن أحب ذلك وإن كره لم يلزمه لأنه التزم وقتا . [ ص: 3565 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية