الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب في اللقيط يقر بالعبدية لرجل أو يدعي رجل أنه عبده

                                                                                                                                                                                        وقال ابن القاسم في اللقيط يقر عند البلوغ أنه عبد لرجل : أنه لا يقبل قوله .

                                                                                                                                                                                        قال الشيخ - رضي الله عنه - : يعتبر اللقيط في أربع : الحرية ، والدين ، والنسب إن استلحقه رجل ، والولاء إذا لم يستلحق .

                                                                                                                                                                                        فحمله على الحرية; لأنه الأصل في الناس والرق طارئ عليه ، ولأنه الغالب من البلدان أنهم أحرار والعبدية قليل ونادر ، والنادر لا حكم له ، فإن اعترف اللقيط لرجل بعد بلوغه أنه عبد له فعند ابن القاسم لم يقبل قوله .

                                                                                                                                                                                        قال الشيخ : وأرى إن اعترف له بالعبدية أن ينتزع ماله ويستخدمه ولا يمكن من بيعه ، وإن قذفه أو جرحه حر لم يحد قاذفه ، ولم يقتص من جارحه ، وأخذ في ذلك بإقراره على نفسه .

                                                                                                                                                                                        وإن أقام رجل شاهدين أنه عبده استرقه . ويختلف إذا أقام شاهدا هل [ ص: 3869 ] يحلف ويسترقه أو لا؟ وأن يحلف ويأخذه أحسن; لأن حمله على الحرية إنما كان لأنه الغالب لا لبينة شهدت له .

                                                                                                                                                                                        وأما دينه ، فدين البلد الذي التقط فيه ، فإن كانوا مسلمين كان مسلما ، وإن كانوا نصارى كان على النصرانية ، وإن كانوا مسلمين ونصارى حمل أنه مسلم .

                                                                                                                                                                                        قال ابن القاسم في كتاب تضمين الصناع : إلا أن يكون الذي في تلك القرية من المسلمين الاثنان والثلاث فيحمل على أنه نصراني . ولم يحمله على النصرانية إن كان الغالب النصارى احتياطا للإسلام ، وإلا فمن أصله أن الحكم للغالب .

                                                                                                                                                                                        ولأشهب في كتاب محمد : أنه مسلم وإن كان في قرية فيها نصارى . قال في غير كتاب محمد : وإذا جعلته حرا حين لم أدر حر هو أم عبد فكذلك أجعله مسلما وإن لم أدر مسلم هو أو نصراني .

                                                                                                                                                                                        وقول ابن القاسم أحسن; لأنه إنما جعله حرا لأنه الغالب من الناس ذلك فوجب أن يكون في الدين على الغالب من ذلك الموضع ، ولو قدر أن يوجد بمدينة كلها عبيد لم يحمل على أنه حر ، ولو رباه المسلم على دينه حتى عرف الإسلام حمل على الإسلام ولم ينقل عنه ، ولو التقط نصراني لقيطا في بلد [ ص: 3870 ] المسلمين ورباه على دينه لم يترك على النصرانية إلا أن يبلغ على ذلك فيختلف فيه هل يقر على ذلك؟ .

                                                                                                                                                                                        وأما نسبه ، فحمله على أنه ذو نسب وأنه لرشدة إلا أنه غير معروف ، فإن قال له رجل : لا أب لك ، أو : يا ولد زنى ، حد له .

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا استلحقه رجل ، فقال في كتاب أمهات الأولاد : لا يقبل قوله ولا يصدق إلا أن يكون لذلك وجه مثل : أن يكون رجل لا يعيش له ولد فيسمع قول الناس إنه إذا طرح عاش فيطرح ولده ، وقد كان سمع منه ما يستدل به على صدقه فيلحق به ، وإلا لم يلحق به إلا ببينة .

                                                                                                                                                                                        قال سحنون : وقال غيره : لا يقبل قوله إلا ببينة . يريد : وإن كان ممن لا يعيش له ولد .

                                                                                                                                                                                        قال محمد : إن ادعاه غير ملتقطه قبل وإن بعد الدهر الطويل ويلحق به .

                                                                                                                                                                                        وهذا أشبه بقول مالك وابن القاسم; لأن من قولهما أن كل من ادعى ولدا واستلحقه وليس له أب معروف يقبل قوله إلا أن يتبين كذبه ، وإنما يصح ألا يصدق في اللقيط على القول في الاستلحاق : إلا أنه لا يقبل قوله ، إلا أن يثبت أن أمه كانت فراشا لمستلحقه بزوجية أو بملك يمين . [ ص: 3871 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية