الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب في حكم أم الولد إذا كانت في حياة سيدها وسعيها بعد وفاته

                                                                                                                                                                                        اختلف قول مالك في أم ولد المكاتب، فيرى مرة أنها بمنزلتها قبل ولادتها، وله أن يبيعها اختيارا في الكتابة، وبعد أدائها ومصيرها إلى الحرية، ويرى مرة أنها أم ولد ولا يبيعها ما كان في الكتابة، إلا أن يخاف العجز، وإن أدى كتابته وهي عنده كانت كأم ولد الحر، تعتق بموت سيدها، وهذا إذا حملت بعد الكتابة، وإن كانت الولادة قبل الكتابة لم تكن على أحكام أم الولد قولا واحدا، ويختلف إذا كانت الكتابة وهي حامل قياسا على الحر يشتري الأمة وهي حامل منه بزوجية كانت، فلمالك فيها قولان، هل تكون أم ولد الأم؟ وإن مات المكاتب عن أم ولد فإنه لا يخلو أن يكون معها في الكتابة ولدها أو ولد من غيرها أو أولاد وأحدهم ولدها أو إخوة للمكاتب أو أجنبيون، وخلف في جميع ذلك مالا فيه وفاء، أو لا وفاء فيه، أو لم يخلف مالا، فإن كان ولدها وخلف وفاء أعتق فيه الولد وأعتقت بعتقه قولا واحدا، وسواء كانت ولادتها له وحملها به بعد الكتابة أو قبلها؛ لأنها وإن لم تكن لها حرمة أم الولد مع سيدها فإنها تعتق على ولدها، فإن لم يكن في [ ص: 4023 ] المال وفاء سعى الولد وأمه في الباقي من الكتابة، وإن لم يكن في ذلك المال ما يسعيان فيه أو لم يخلف مالا، وكان في الأم إذا بيعت ما يوفي بباقي الكتابة أو ما يستعان به في السعي أو ما يؤدي إلى أن يبلغ السعي إن كان صغيرا بيعت وأخذ ثمنها السيد إن كان كفافا لباقي الكتابة أو سعى فيه الولد أو لم يكن فيه ما يوفي بالكتابة، فإن كان الولد صغيرا أخذه السيد وحبسه من أول النجوم إلى أن يبلغ السعي، وإن لم يكن في ثمنها ما يوفي بما في الكتابة ولا سعي عند الولد، ولا فيه ما يبلغ الولد السعي عجزا جميعا وكانا رقيقين للسيد، وإن كان الولد من غيرها كان له أن يتملكها أو يبيعها إن كانت الولادة قبل الكتابة أو كانت بعد الكتابة على القول إنها لا تكون على حكم أمهات الأولاد، ولو كان السيد حيا وهي في هذا بخلاف الولد؛ لأنها تعتق على الولد بكل حال، وإن كانت الولادة قبل أو بعد على القول إنها تكون على أحكام أم الولد لو أدى السيد الكتابة لم يكن له أن يبيعها، وإن كانا ولدين أحدهما ابنها، فإن كانت الولادة قبل الكتابة أعتق نصيب ولدها منها ورق نصيب الآخر، وكذلك إذا كانت بعد الكتابة على القول إنها لا تكون مع السيد على أحكام أم الولد، فإنه يعتق عليه نصيب الولد خاصة، وعلى القول الآخر تعتق عليهما جميعا في مال الميت، وتسعى معها إن لم يخلف مالا.

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا لم يكن ولد بحال، فقال ابن القاسم: يكون رقيقا إن كان مع [ ص: 4024 ] المكاتب أبوه أو أخوه سواء خلف الميت مالا أم لا، وقال: يعتق في مال الميت، وإن لم يخلف مالا كانت رقيقا ولا تسعى مع أخي الميت ولا الأب، وإن خلف الميت أمهات الأولاد مع إحداهن ولدا أعتقت التي معها الولد، ويختلف فيمن سواها ولو لم يخلف الميت مالا، واحتيج إلى الوفاء بالكتابة من ثمن إحداهن لم تبع التي معها ولدها، وبيع من سواها.

                                                                                                                                                                                        واختلف في صفة البيع، فقال ابن القاسم: تباع التي فيها نجاة الولد، وذلك إلى الولد، وقال سحنون: لا تباع واحدة منهن إلا بالقرعة، قال الشيخ أبو الحسن: والقياس أن يباع منهن بالحصص كالمدبرين، ويختلف أيضا لو كان السيد حيا وله أمهات أولاد وخشي العجز، واحتاج إلى بيع واحدة ليؤديها في نجم أو ليوفي بها في الكتابة، فعلى قول ابن القاسم: يبيع أيتهن أحب، وعلى قول سحنون: بالقرعة، والأبين أن تكون حصاصا كما قدمناه. [ ص: 4025 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية