الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [فيما إذا كانت بين حر وعبد، فقالت القافة: إنه من الحر]

                                                                                                                                                                                        وإذا كانت الأمة بين حر وعبد، فقالت القافة: إنه من الحر كانا فيها كما لو كانت بين حرين، وإن كان الحر موسرا غرم نصف قيمتها وحدها، وإن كان معسرا كان بالخيار لسيد العبد بين أن يتمسك بنصف الأمة لعبده ويتبعه بنصف قيمة الولد؛ لأن الولد للسيد وليس للعبد، وإن شاء قوم عليه نصف [ ص: 4082 ] الأمة ونصف الولد، فما ناب الولد فله، وما ناب الأمة فلعبده، ثم يختلف هل يتبع بذلك في الذمة وتكون أم ولد أو تكون القيمة للبيع؟ وقيل: يقوم نصف الأمة وحدها للبيع ولم تكن أم ولد، فإن ألحقوه بالعبد كان الحر بالخيار إن شاء لم يقوم عليه وكان له نصف الولد رقيقا؛ لأن الولد للسيد دون عبده، وإن شاء ضمنه.

                                                                                                                                                                                        قال سحنون في العتبية: فإن ضمنه والعبد معسر بيعت الجارية في نصف قيمتها يوم وطئ ليس يوم ولد، ولا يباع الولد إن لم توف بنصف قيمتها لأن الولد ليس بمال للعبد، ولا يكون ما بقي في رقبته وليس بجناية لأنه مأذون له في ذلك. ومن كتاب ابن سحنون: والأمة بين الحر والعبد يطؤها العبد فتحمل فهي جناية فإما فداه سيده بنصف قيمتها أو يسلمه بماله وهي لا تعتق لأن ولدها عبده. وقال محمد بن عبد الحكم: إنه ليقع في قلبي أنها جناية جناها على نصيب الحر.

                                                                                                                                                                                        قال: فإن قالت القافة: اشتركا فيه، أعتق الولد على الحر: يعتق جميعه، ويغرم نصف قيمته لسيد العبد، ويقوم عليه نصف الأمة، فيحل له وطؤها، [ ص: 4083 ] ويكون نصفها أم ولد له ونصفها رقيق حتى يولدها مرة أخرى بعد اشترائه النصف الثاني، بمنزلة الحرين تكون لهما الجارية يصيبانها في طهر واحد فتلد ولدا فتدعى له القافة فلا تلحقه بواحد منهما أو تلحقه بأحدهما ولا مال له، فإذا بلغ الصبي قيل له: وال أيهما شئت، فإن والى العبد فهو حر وغرم السيد نصف قيمة الولد ونصف قيمة الأم وهو حر فإن أعتق العبد يوما ما ورثه الولد.

                                                                                                                                                                                        وقال أصبغ: ليس على السيد الآن من قيمة الولد والأم شيء ويكون نصف الولد ونصف الأم عتيقا من الآن، فإذا بلغ الولد ووالى الحر لحق به وغرم نصف قيمة الولد وإن والى العبد لحق به نسبه وكان نصفه حرا ولم يقوم عليه بقيمته. لأنه ليس بعتق ابتداء، وإنما هو حكم لزم، كهيئة ما لو ورث نصفه، وأما الأم فإن مات العبد قبل أن يبلغ الولد فيوالي ورثها سيدها عنه، وإن أذن له باعها، وإن رهقه دين وهو مأذون له بيعت عليه.

                                                                                                                                                                                        وإن كانت الأمة بين مسلم ونصراني، فقالت القافة: من المسلم لحق به وغرم النصراني نصف قيمة الأم، وإن ألحقته بالنصراني كان له، وعلى دينه، [ ص: 4084 ] ويوارثه وينسب إليه، ويقوم نصف قيمة الأم مسلمة كانت أو نصرانية، فإن كانت نصرانية أقرت عنده وإن كانت مسلمة أعتقت عليه، وإن قالت القافة: اشتركا فيه كانت الأمة معتقة منهما، والولد موقوف حتى يبلغ فيوالي أيهما أحب، فإن والى المسلم فهو ولده، وإن والى الكافر كان ولده، ولا يكون إلا مسلما.

                                                                                                                                                                                        فإن مات الأبوان قبل أن يبلغ وقف له ميراثه منهما جميعا، فإذا بلغ والى أيهما شاء وورثه ورد ميراثه من الآخر، ولا يكون إلا مسلما، فإن مات قبل أن يبلغ رد ما كان وقف له من مالهما إلى ورثتهما، فإن خلف مالا غير ذلك كان قد وهب له أو ورثه من أمه كان نصفه لعصبة أبيه المسلم بعد فرض ذوي الفرض، ونصفه لعصبة أبيه النصراني المسلمين منهم، فإن لم يكن للكافر عصبة مسلمون فبيت المال. فجعل له الميراث من النصراني وإن لم يمكنه أن يكون بعد البلوغ على دينه؛ لأن له نصف البنوة، وقد مات الأب في حين لا معرفة عند الابن من الإسلام فينسب إليه، ولا جحود فينسب إلى الكافر، فجرى في النصف على أحكام الكفر في ميراثه من الأب والميراث منه، وقد تقدم مثل ذلك في كتاب النكاح الثالث. قال أصبغ: ولو كانوا ثلاثة نفر: مسلم ونصراني وعبد وقالت القافة: "اشتركوا فيه" فإن كانت الأمة مسلمة عتقت على المسلم والنصراني، ولم تعتق على العبد، ويكون للعبد قيمة نصيبه عليهما، وإن كانت نصرانية أعتق جميعها على الحر المسلم، وقوم عليه نصيب النصراني والعبد. [ ص: 4085 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية