الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب في النصراني يموت ويختلف ورثته في ميراثه أو يسلمون أو يسلم بعضهم قبل أن يقسم ميراثه

                                                                                                                                                                                        وقال مالك في النصراني يموت عن ورثة نصارى فيختلفون في ميراثهم ويرتفعون إلى حاكم المسلمين: إنه بالخيار بين الحكم أو الترك، وإن حكم بينهم حكم بحكم المسلمين.

                                                                                                                                                                                        يريد: إذا بين لهم أنه إنما يحكم بينهم بمنزلة ما لو كانوا مسلمين، فإن رضوا بعد البيان أن يحكم بينهم بذلك حكم بينهم، وإلا تركهم.

                                                                                                                                                                                        قال: فإن أسلم بعضهم حكم بينهم ولم يردوا إلى حكم النصارى، قال: ولم ينقلوا عن مواريثهم، وإن أسلم جميعهم ثم اختلفوا حكم بينهم أيضا.

                                                                                                                                                                                        واختلف قوله: هل يحملهم على مواريث النصارى أو مواريث المسلمين، ففرق في الجواب في المسائل الثلاث:

                                                                                                                                                                                        فجعله بالخيار إذا كان جميعهم على الكفرة لقول الله سبحانه: فاحكم بينهم أو أعرض عنهم [المائدة: 42]. ولم يحكم بينهم بحكمهم لإخبار الله عز [ ص: 4163 ] وجل أنهم بذلوا ما أنزل الله سبحانه، ولأن ذلك منسوخ بشرعنا وقد حكم النبي - صلى الله عليه وسلم - بما علم أنه لم يبدل.

                                                                                                                                                                                        وإذا أسلم بعضهم لم يكن له خيار، وأجراهم على حكم مواريث النصارى؛ لأنه لا يحسن أن يحكم كافر في مسلم، لما في ذلك من الإذلال له، ولأنه لا يؤمن أن يميلوا أو يحيفوا عليه -لمفارقته لدينهم- إلى من هو على دينهم، فكان على حاكم المسلمين أن يكشف عن مواريثهم فيحملهم عليها، وكذلك إذا أسلم جميعهم على القول إنهم يتوارثون وراثة النصارى وأنه يحكم بينهم بذلك، ولا يردون إلى حكم النصارى؛ لأنه إذلال لهم.

                                                                                                                                                                                        وإن اختلفوا كيف المواريث عندهم كشف عن ذلك حتى يتبين له ثم يحكم.

                                                                                                                                                                                        وقد اختلف إذا أسلم جميعهم قبل أن تقسم مواريثهم على ثلاثة أقوال: فقال مالك يقتسمون على قسم النصارى، وقال معنى الحديث "أيما دار أدركها الإسلام ولم تقسم فهي على قسم الإسلام" في غير أهل الكتاب مثل المجوس [ ص: 4164 ] والزنج، وأما النصارى فهم على مواريثهم، وبه أخذ ابن القاسم.

                                                                                                                                                                                        وروى أشهب عنه: أنهم يقسمون قسم أهل الإسلام إذا أسلم جميعهم، قيل له: فإن أسلم بعضهم؟ قال لا أدري.

                                                                                                                                                                                        وقال ابن نافع في المدونة ومطرف وابن الماجشون في كتاب ابن حبيب في الحديث: هو لأهل الكفر كلهم، أهل الكتاب وغيرهم.

                                                                                                                                                                                        وقال ابن القاسم في العتبية في المجوس: إن كانوا أهل ذمة فأسلم أولادهم قبل أن يقسموا الميراث قسم على قسم الشرك، ثم قال: ألا ترى في الحديث: "سنوا بهم سنة أهل الكتاب" إنما ذلك في المجوس من أهل الذمة.

                                                                                                                                                                                        وينبغي على قول ابن القاسم أن يقول في النصراني الذي لا ذمة له أنه يقسم ميراثه قسم المسلمين، وقد قال إسماعيل القاضي في المرتد يموت على ردته: إنه لا يرثه من كان على دينه الذي ارتد إليه؛ لأنه لا عهد له، وإنما تركنا [ ص: 4165 ] المعاهدين يتوارثون ولم يعرض لهم لأجل العهد. وأما كل كافر لا عهد له فماله فيء إذا قدرنا عليه، فعلى هذا إذا أسلم ورثة نصراني لا عهد له ثم قدموا علينا- قسموا على قسم الإسلام. [ ص: 4166 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية