الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [في حكم صدقة وهبة العبد]

                                                                                                                                                                                        والصدقة والهبة كالعتق، فإن باعه على أنه صدقة لفلان، وعلى أن يتصدق به على فلان، والتزم المشتري ذلك، جاز العقد والنقد، وإن كان المشتري [ ص: 4241 ] بالخيار في إنفاذ الصدقة جاز العقد دون النقد.

                                                                                                                                                                                        ويختلف إذا أطلق ذلك ولم يقيده بالتزام ولا بخيار، فقال ابن القاسم في كتاب محمد فيمن باع من امرأته خادما بشرط أن تتصدق بها على ولده: ذلك جائز، ولا تلزمها الصدقة بحكم، والبائع بالخيار إن هي لم تتصدق بها، إن شاء أجاز البيع على ذلك، وإن شاء رد.

                                                                                                                                                                                        وعلى قول أشهب وسحنون يلزمها ذلك من غير خيار، وإن باعه على أن لا يبيعه من فلان وحده جاز، وإن قال: على أن لا تبيعه جملة، أو لا تبيعه إلا من فلان كان فاسدا، وعلى المشتري أن يغرم تمام الثمن، إلا أن يسقط البائع شرطه، وإن قال: على أن تبيعه من فلان كان فاسدا، وليس على المشتري إلا الثمن الذي باعه به من فلان؛ لأنه بيع ليس فيه تمكين فلا يضمنه المشتري، وإن قال على أن لا تبيع من هؤلاء النفر، جاز.

                                                                                                                                                                                        وقال في كتاب محمد فيمن باع جارية على أن لا يخرجها من بلدها أو على أن يخرجها إلى الشام: يفسخ البيع، إلا أن يضع البائع شرطه.

                                                                                                                                                                                        وقال في مختصر ما ليس في المختصر فيمن باع عبدا على أن يخرجه مبتاعه إلى بلد آخر: لا بأس به. وهو أبين؛ لأن الشأن أن البائع، إنما يشترط ذلك لضرورة لأمر يتقيه من العبد إن بقي، فقد يكون شريرا، وقد اطلع على أسراره أو على موضع ماله، أو غير ذلك من العذر، أو يتقي مثل ذلك من الأمة، وإن كان المشتري طارئا كان أبين في الجواز؛ لأنه يفعل ذلك من غير شرط، وإن شرط ألا يجيزها البحر جاز؛ لأنه قد أبقى ما سوى ذلك من البلدان. ويختلف [ ص: 4242 ] إذا شرط أن يجيزها البحر قياسا على من شرط أن يخرجها من بلدها.

                                                                                                                                                                                        وقال مالك -في كتاب محمد فيمن شرط على المشتري أن لا يبيع ولا يهب حتى يقبضه الثمن: لا بأس به. وقال محمد: ذلك فيما يرى في الأجل القريب اليوم ونحوه. وقال ابن القاسم: لا خير فيه. وظاهر قول مالك الجواز، وإن كان الأجل أكثر من هذا؛ لأن المشتري ينتفع بالمبيع، يسكن ويستخدم ويركب إن كانت دابة، وليس الغالب أن المشتري يريد البيع بالقرب، وإن كان للقنية كان أبين.

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا شرط أن يبقى رهنا بيد البائع أو بيد عدل حتى يحل الأجل، وإن كان المشتري لا ينتفع به فهو إذا أسلم إلى المشتري أبين في الجواز. [ ص: 4243 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية