الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب فيمن باع أمة على إسقاط المواضعة أو على البراءة من الحمل

                                                                                                                                                                                        ولا يجوز بيع الأمة العلي على إسقاط المواضعة ولا على البراءة من الحمل.

                                                                                                                                                                                        واختلف في ذلك إذا نزل; فقال ابن القاسم في المدونة: إذا بيعت على إسقاط المواضعة، فالبيع جائز والشرط باطل والمواضعة بينهما، وإن بيعت على البراءة من الحمل كان بيعا فاسدا. وقال مالك في كتاب محمد: ما بيع على البت مثل أهل مصر لا يبيعون على المواضعة وإنما يبيعون على النقد وعلى الدفع، فهو بيع لازم ولا يفسخ ويكون عليهما المواضعة، شاءا أو أبيا ويمنعان من القبض.

                                                                                                                                                                                        قال الشيخ: أما البيع على إسقاط المواضعة، فهو راجع إلى الشروط الفاسدة; لأنه شرط يتضمن غررا فقبض المبيع، وينفذ كما ينفذ في الوخش فإن ظهر حمل رد به وهو غرر، تارة بيعا إن لم يظهر حمل، وتارة سلفا إن ظهر ورد به. [ ص: 4521 ]

                                                                                                                                                                                        وقد اختلف في الشروط الفاسدة، هل يمضي البيع ويسقط الشرط؟ أو يفسخ البيع إلا أن يسقط الشرط، أو يفسخ وإن أسقط الشرط. والذي آخذ به أن يكون البائع بالخيار بين أن يسقط الشرط ويرد إلى المواضعة أو يفسخ البيع.

                                                                                                                                                                                        وأما إن شرط البراءة من الحمل، فهو بيع فاسد; لأن المشتري دخل إن كانت سالمة من العيب- وهو الحمل- كانت له، وإن كانت حاملا لم يقم بذلك العيب، وإذا كان البيع فاسدا انتقض إن أدرك ولم يفت، وإن فات رجع فيها إلى القيمة، ويفيته حوالة الأسواق فما فوق.

                                                                                                                                                                                        واختلف متى تنتقل إلى ضمان المشتري على ثلاثة أقوال، فقال ابن القاسم في المدونة: إن كان البائع منكرا للوطء، ضمنها المشتري بنفس القبض إن هلكت كالبيع الفاسد ويفيتها على هذا حوالة الأسواق فما فوق، وإن أقر بالوطء كانت في ضمان البائع ولم تنتقل إلى ضمان المشتري إلا بعد حيضة، أو يمضي من الأمد ما يكون فيها استبراء.

                                                                                                                                                                                        قال محمد: وذلك قدر الشهر. وقال محمد: إذا كانت من المرتفعات فسواء وطئ البائع أو لم يطأ فضمانها من البائع أبدا، وفي كل ما حدث فيها، وإن قبضها المشتري حتى تقيم قدر ما يكون فيه استبراء. وقال أيضا: الضمان من [ ص: 4522 ] المشتري، وإن أقر البائع بالوطء إن هلكت فيما يكون فيه استبراء. وقول ابن القاسم في المدونة أحسن، فإن كان البائع منكرا للوطء، كانت في ضمان المشتري بالقبض، وهو بمنزلة من اشترى ثوبا على ألا ينشره، ولا يقوم فيه بعيب إن ظهر عليه، فهو ضامن بالقبض، ولا يشبه هذا البيع على المواضعة; لأنه في البيع على المواضعة دخل على أن المبيع يكون على الوقف والاختيار، فإن كان سالما أخذه، وإن كان معيبا لم يقبله، وهذا دخل على أنه على غير وقف، وعلى أنه في ضمانه من الآن.

                                                                                                                                                                                        وأما إن اعترف البائع بالوطء، فلا تكون في ضمان المشتري بالقبض، لإمكان أن تكون حاملا فيكون بائعا لولده ولأم ولده، ومثل هذا لا ينعقد فيه بيع ولا ينتقل به ضمان حتى تعلم سلامتها من الحمل، فحينئذ تدخل في ضمان المشتري. وأما القول أنها تنتقل عن ضمان البائع إذا مضى قدر شهر ثم هلكت، وألا يصدق المشتري إن قال: إنها هلكت قبل أن تحيض، فليس هذا بالبين; لأن مضي الشهر [ ص: 4523 ] ليس فيه دليل على البراءة ويمكن أن تكون ماتت وهي حامل، وإنما يدل على براءتها أن تمضي لها ثلاثة أشهر ولا يظهر بها حمل، ولأن المشتري يدعي الوجه الذي لأجله لم يجز البيع ولم يجز النقد، ولو كان محملها على الحيض والبراءة لكان البيع جائزا.

                                                                                                                                                                                        وأرى أن يصدق المشتري إن قال: إنها لم تحض، أو قال: لا علم لي هل حاضت أم لا؟ وقال عبد الملك بن حبيب: إن لم تمت وجاء بها بعد الشهر والشهرين والثلاثة وقد حدث بها عيب، فقال: لم تحض، فهو مصدق ويردها بالعيب الذي حدث.

                                                                                                                                                                                        قال الشيخ: وإذا صدق مع وجود عيبها أنها لم تحض مع إمكان أن تكون حاضت ثم دخلت في الطهر، صدق إذا ماتت وقال: إنها لم تحض. [ ص: 4524 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية