الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [في الرجل يشتري عشرة شياه يختارها ثم يشتري عشرة أخرى]

                                                                                                                                                                                        وإذا اشترى رجل عشرة شياه، يختارها من هذه الغنم، ثم اشترى عشرة أخرى جاز ذلك، ويكون كأنه اشترط خيار عشرين شاة، إن اشترى منها رجلان مفردان، واشترط كل واحد الخيار جاز الأول، واختلف في الثاني، فقال محمد: يجوز ذلك بمنزلة إذا كان المشتري واحدا، وقال أيضا: لا يعجبني ذلك إلا أن تكون الغنم كثيرة جدا، وإلا كان الثاني كأنه اشترى شرارها، بشرط أن يختار عليه البائع أكثرها.

                                                                                                                                                                                        ويختلف على هذا إذا كان الخيار للبائع والمشتري، فقال: أبيعك عشرة تختارها بعد أن أختار أنا عشرة، والقول ألا يجوز ذلك إلا فيما كثر، الخمسين والستين أحسن، ولو كانت ثلاثين لم يجز; لأنه إذا اختار البائع منها عشرة، لم يدر كيف تكون العشرون الباقية، والبيع إنما يقع على ما يختار من العشرين الباقية.

                                                                                                                                                                                        وقال ابن حبيب: ولا يجوز أن يشتري الرجل عشرة يختارها من غنم، ويشتري الآخر بقيتها بخلاف الصبرة، ومحمل هذا إذا كانت الغنم قليلة، فإن كانت كثيرة لا يتحسس إلى ما يزول من جملتها على الخيار جاز. [ ص: 4578 ]

                                                                                                                                                                                        وقال أشهب -فيمن اشترى عشر شياه يختارها من مائة، ثم جاءه رجل فقال: خذ مني ربح كذا، واجعلني أختار مكانك آخذ ما كان لك أن تختاره-: إن ذلك ليس بجائز; لأن الأول لا يجوز له أن يبيع ما لم يجب له، ولأن الخيار يختلف بخيار ما لا يوافق الثاني، وليس للآخر أن يختار أمرا يجب للأول حتى يختار الأول، ولا يجوز أيضا وإن قال: اختر، فأنا أشتري منك ما تختاره أنت لأنه غرر، قال: وهذا بخلاف ما لو مات المشتري قبل أن يختار، أن لورثته أن يختاروا؛ لأنهم كأنهم هو.

                                                                                                                                                                                        قال الشيخ: أما إذا اشترى الثاني ما يختاره الأول، ففاسد لا شك فيه; لأنه لا يدري ما يختاره الأول، ولا كيف موقعه من الاختيار. وأما اشتراؤه على ما يختاره بنفسه ليس على أن يختاره الأول، فالصواب أن يكون جائزا، والشأن فيمن اشترى على خيار أنه يأتي بمن ينظر ذلك المبيع، هل هو جيد أو رديء؟ وهل يسوى ذلك الثمن أم لا؟ وعلى قول أشهب: يمنع من اشترى عبدا أو ثوبا على خيار، أن يري ذلك غيره ويأخذ منه فيه رأيا، وهذا خلاف المعتاد.

                                                                                                                                                                                        وقال ابن حبيب: لا بأس أن يقول: بعني عشرة من خيار [ ص: 4579 ] غنمك، ولا يقول: أختارها أنا ولا أنت، فإن اختلفا فيمن يختار، دعي إلى ذلك أهل النظر والعدل يختارها، وليس هذا بحسن، وأرى أن يكون الخيار للمشتري، ولا يلزم ما يختاره غيره; لأن الشأن أن المشتري هو الذي يختار، ولأن المشتري يقول: أنا أختار، فإن اخترت الخيار فهو حقي وشرطي، وإن اخترت دون ذلك فذلك وكس علي وخير لك. [ ص: 4580 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية