الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [في أنواع الشركة]

                                                                                                                                                                                        الشركة ثلاثة: شركة أموال، وأبدان، وعلى الذمم.

                                                                                                                                                                                        وشركة الأموال ثلاثة أصناف: العين، والطعام، والعروض وما أشبهها.

                                                                                                                                                                                        فأما الشركة بالعين: الدنانير والدراهم، فتجوز بخمسة شروط: أن تكون العين المشترك فيها في الصفة سواء، والعمل والربح والخسارة على قدر أموالهما، والمال بينهما على الأمانة.

                                                                                                                                                                                        واختلف هل من شرطها أن يخلطا المالين؟ فأجاز مالك وابن القاسم الشركة وإن لم يخلطا واشتريا قبل الخلط. وقال غيره: لا يجوز إلا أن يخلطا المالين حتى يصيرا شيئا واحدا لا يتميز، ورأى أن ذلك مبايعة نصف دينار أحدهما بنصف دينار الآخر، فغاية المناجزة الخلط. والقول الأول أحسن، [ ص: 4777 ] والمعلوم أنه ليس القصد المبايعة فيها، وإنما القصد المبايعة بها والتجر فيها.

                                                                                                                                                                                        وإن اختلفت السكة والقيمة لم يجز أن يشتركا على قدر قيمتها; لأن ذلك ربا، ولا على المساواة بالفضل على العفو إذا كان ذلك كثيرا; لأن ذلك زيادة في الشركة من أحدهما. فأجاز ابن القاسم ذلك إذا كان يسيرا.

                                                                                                                                                                                        والقياس ألا يجوز; لأن ذلك الترك لمكان الشركة فأشبه من بادل دنانير بمثلها على أن يبيعه الآخر السلعة.

                                                                                                                                                                                        وقال محمد: إن أخرج أحدهما عشرة دنانير قائمة والآخر ناقصة حبتين واشتركا على ترك الفضل لم يجز.

                                                                                                                                                                                        يريد: لأن الترك لمكان الشركة، ولم يفعله الآخر معروفا منه لصاحبه، ولولا مقارنة الشركة لكان جائزا; لأن نصف كل عشرة على ملك صاحبها، وإنما صارت المبادلة في خمسة قائمة بخمسة ناقصة، وذلك جائز إذا كان الفضل من أحد الجنسين.

                                                                                                                                                                                        وقد أجاز ابن القاسم الشركة إذا أخرج أحدهما مائة هاشمية، والآخر [ ص: 4778 ] مائة دمشقية إذا كان الفضل يسيرا.

                                                                                                                                                                                        والقياس أيضا ألا يجوز; لأن الترك لموضع الشركة كما قالوا في الإقالة والشركة في الجملة أنها جائزة على وجه المعروف. ولو قال: لا أقيلك إلا أن تقيلني، أو لا أشركك إلا أن تشركني، لم يجز; لأنهما خرجا بذلك عن وجه المعروف، إلا أن يكونا عقدا الشركة على سكة واحدة ووزن واحد، ثم أحضر أحدهما ماله وفيه فضل في الجودة أو الوزن، أو كان بينهما قبل ذلك من المكارمة ما يفعل له ذلك من غير شركة فيجوز.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية