الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب في مقاسمة أحد الشريكين مال الشركة بغير رضا شريكه

                                                                                                                                                                                        وإذا سافر أحد الشريكين بمال من شركتهما فلما بلغ البلد قسم ذلك الربح واشترى لنفسه ولشريكه على الانفراد، فهلك أحد المالين أو سلما واختلف الربح، كان للمقيم أحسن ذلك وأفضله، فإن كانت الخسارة أو الضياع فيما جعله لنفسه، كان منه خاصة وكان للآخر السالم بربحه; لأنه لا يختار إلا إجازة القسمة.

                                                                                                                                                                                        وإن كانت الخسارة أو الضياع في نصيب المقيم كان النصيب السالم بربحه بينهما وتلف الآخر وخسارته منهما ولا يضمن للمقيم من ذلك شيئا; لأنه لم يتعد إلا في النية خاصة في قوله: هذا لي وهذا لصاحبي، والنية في هذا لا توجب ضمانا، وإنما يضمن لو رفع يده عن نصيب صاحبه وجعل يد غيره عليه.

                                                                                                                                                                                        ولو كان الشركاء ثلاثة لكل واحد مائة دينار، فسافر اثنان منهم بجميع المال، ثم اقتسماه في سفرهما نصفين، ثم تجرا وربح أحدهما وخسر الآخر، كان الجواب على ما تقدم: له ثلث ما في يد هذا على خسارته وثلث ما في يد الآخر بربحه، ولا يرجع من خسر على من ربح بشيء; لأن مقاسمتها على أنفسهما [ ص: 4837 ] جائزة وعلى الغائب غير جائزة، وحكمها على الغائب بمنزلتهما لو تجر كل واحد منهما بنصف المال على أن الشركة قائمة بين جميعهم، ويكون كل واحد منهما بنصف المال على الشركة، فإنه بين جميعهم، ولا يكون واحد منهما متعديا برفع يده عن الذي بيد صاحبه بخلاف الوصيين; لأن لأحد الشريكين أن يشتري بانفراده من غير مطالعة صاحبه، وإذا كان ذلك كان التعدي في النية ويكون معهما بمنزلة من لم يقسم فله ثلثا الجميع على الشياع وذلك يؤدي إلى أن يأخذ ثلث ما في يد كل واحد، إلا أن يكون قدم إليهما المقيم ألا يقسما فيضمن التلف دون الخسارة; لأنهما يبقيان في الاشتراء على الأصل أن كل واحد منهما يشتري بغير محضر الآخر ما رآه صوابا، ويكون ذلك تحت أيديهما، إلا أن يكون الاشتراط ألا يشتري أحدهما بغير اجتماع من رأي صاحبه فيضمن الخسارة، وله أن يأخذ بما يجب له عن الضياع أو الخسارة أيهما أحب، فيضمن من لم يضع ذلك عنده ومن لم يتول الشراء خسارة ما اشتراه صاحبه; لأنه متعد في رفع يده عنه، ويضمن ذلك من كان عنده; لأنه متعد في انفراده في النظر فيه. [ ص: 4838 ]

                                                                                                                                                                                        واختلف فيما يكون له من الربح في يد الآخر، فقيل: يكون له ثلث ذلك. وقيل: نصفه. والأول أحسن، وإنما له ما في يد كل واحد منهما نصفها.

                                                                                                                                                                                        وقال ابن القاسم في أحد المتفاوضين يشتري شراء فاسدا، قال: ذلك لازم لشريكه، وليس كل الناس فقهاء يعرفون ما يشترون وما يبيعون، وإذا فات كانت القيمة على الشريكين جميعا. [ ص: 4839 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية