الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب في العامل يشتري بالقراض من يعتق عليه أو على صاحب المال أو يولد ما اشترى بالقراض أو يعتق

                                                                                                                                                                                        قال: وإذا اشترى العامل من القراض ولده وهو موسر وفي المال فضل عتق عليه عالما كان أو غير عالم، (وإنما) يفترق الحكم في العلم وعدمه هل يعتق بالقيمة أو بالثمن؟ وإن كان لا فضل فيه وهو معسر لم يعتق عليه عالما كان أو غير عالم، وإن كان موسرا وهو عالم أعتق عليه. هذا ظاهر قوله في "المدونة" وحمله على الرضا بالتزام العتق. وإن كان غير عالم لم يعتق عليه.

                                                                                                                                                                                        وقال أشهب: يعتق. وأن لا شيء عليه إذا لم يكن فيه فضل، علم أو لم يعلم أحسن; لأنه وكيل في ذلك المال لغيره، وفعله ذلك محتمل، هل قصد العتق أم لا؟ فأرى أن يحلف أنه لم يرض بعتقه ويكون رقيقا، وعليه إذا كان فيه فضل وهو موسر وغير عالم أنه ابنه القيمة، وسواء كانت القيمة أكثر من الثمن أو أقل; لأن مصيبته كانت من صاحب المال فله ربحه وعليه وضعيته، والقيمة [ ص: 5296 ] في جميعه يوم الحكم، ولا يعتبر فيه نصيب الولد من الربح يوم اشتراه، ويكون الاستكمال لصاحب المال يوم الحكم; لأن ذلك يؤدي إلى تبدية العامل على صاحب المال قبل وصول رأس ماله إليه.

                                                                                                                                                                                        وقد يهلك العبد قبل التقويم، فلو اعتبرت القيمة في نصيب العامل لكان قد أخذ ربحا ولم يصل إلى صاحب المال شيء من رأس ماله، وكذلك إن لم يهلك وتغير سوقه بنقص، لم يصلح أن يعطي العامل على جزء من الربح يوم اشتراه، فقد يكون الباقي كفافا لرأس المال، فيكون العامل قد أخذ ربحا دون صاحب المال.

                                                                                                                                                                                        وإن اشتراه وهو عالم وكان عليه الأكثر من الثمن أو القيمة يوم يقام عليه، فإن كان الثمن أكثر أخذ به؛ لأنه متعد في اشترائه إياه، وإن كانت القيمة أكثر غرمها؛ لأنه مال أخذه لينميه لصاحبه فليس له أن يختص بربحه.

                                                                                                                                                                                        وإن كان عالما أنه ولده وجاهلا بالحكم يظن أنه يجوز له ملكه أعتق بالقيمة، وهلاكه قبل النظر فيه من صاحب المال إلا قدر ما ينوب العامل من الربح، (وإن كان معسرا وفي المال [ ص: 5297 ] فضل بيع منه بقدر رأس المال ونصيبه من الربح) ويعتق الفاضل على العامل.

                                                                                                                                                                                        وإن كان رأس ماله مائة والربح مائة وخمسون كان من حق صاحب المال أن يباع من العبد بمائة وخمسة وعشرين على أن الباقي عتيق; لأن من حق رب المال أن يبدأ برأس ماله وبربحه، ولا يستحق العامل ربحا إلا بعد نضوض المال.

                                                                                                                                                                                        ولو نض المال لأخذ رب المال مائة وخمسة وعشرين: فإن كان العتيق يعيب العبد ولا يبقى بعدما يشتري منه بمائة وخمسة وعشرين إلا عشرة أو أقل لم يعتق منه غير ذلك، ولا يصح أن يعتق منه سدسه، فقد يكون الباقي لا يوفي برأس المال أو يوفي برأس المال لا أكثر، فيكون قد فضل للعامل ربح دون رب المال، وقد كان يقال: يباع منه بمائة على أن نصف الباقي حر. وهذا غير صحيح ويدخله من الفساد ما دخل الأول; لأنه إذا بيع بمائة على أن نصف الباقي حر، لم يحصل له من الربح خمسة وعشرون دينارا، وقد كان جبر له رأس ماله ببعض ربحه.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية