الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب في شهادة النساء في الولادة والاستهلال، وما يقتصر فيه على الرجال أو على النساء، أو تجوز فيه شهادة الجميع

                                                                                                                                                                                        وقال مالك -في شهادة امرأتين في الاستهلال-: جائزة. قال محمد: بغير يمين. فيورث ويرث، فأجاز في هذا شهادة امرأتين بانفرادهما، وأقامهما مقام رجلين؛ لما كان ذلك مما لا يحضره الرجال، والشهادة تختلف في العدد، واختصاصها بالرجال ودخول النساء فيها، والأيمان، واختلاف المشهود فيه، وموضعه من الحرمة؛ لقول الله -عز وجل- في آية الدين: واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان [البقرة: 282] ، فأجاز شهادة النساء في الأموال، وقال -عز وجل- في الطلاق والرجعة: وأشهدوا ذوي عدل منكم [الطلاق: 2] ، ولم يجعل للنساء في ذلك مدخلا. وقال في الزنا: فاستشهدوا عليهن أربعة منكم [النساء: 15] ، وقال في الآية الأخرى: ثم لم يأتوا بأربعة شهداء [النور: 4] ، ففاضل بين الشهادات لاختلاف حرمة المشهود فيه.

                                                                                                                                                                                        والمشهود فيه على ستة عشر قسما:

                                                                                                                                                                                        فالأول: الشهادة على الأموال في البيع والقرض والقراض، والوديعة والإجارة والكفالة بالمال، ودية الخطأ والعمد [ ص: 5415 ] إذا كان لا قود فيه.

                                                                                                                                                                                        والثاني: الشهادة على النكاح والطلاق والرجعة والإحلال والإحصان، والعتق والولاء والنسب، والسرقة والفرية.

                                                                                                                                                                                        والثالث: الشهادة على مال وهي تؤول إلى ما ليس بمال، مما يتعلق بالأبدان من عتق أو طلاق، كالشهادة للمكاتب أنه دفع كتابته، وأن فلانا باع عبدا من أب العبد، أو ابنه أو أنه باع أمة من زوجها.

                                                                                                                                                                                        والرابع: الشهادة على ما ليس بمال ولا يتعلق بمال، والمستحق به مال كالشهادة على الوكالة بمال، والنقل عمن شهد بمال، والشهادة على كتاب القاضي، إذا كان متضمنه مالا، وعلى النكاح بعد موت الزوج أو الزوجة، أو على ميت أن فلانا أعتقه، أو على نسبه أنه ابن فلان أو أخوه، إذا لم يكن هناك أحد ثابت النسب.

                                                                                                                                                                                        والخامس: الشهادة على التاريخ بما يتضمن مالا، وهي تؤول إلى ما يتعلق بالأبدان، كالشهادة على التاريخ لمن حلف بطلاق زوجته، أو بعتق عبده ليقضين فلانا حقه رأس الشهر، فشهد بعد الأجل أنه قضى قبله، وعلى من أعتق عبده أن عليه لفلان دينا قبل العتق، ولمن وطئ أمة أنه ابتاعها من سيدها قبل ذلك.

                                                                                                                                                                                        والسادس: الشهادة على قتل العمد.

                                                                                                                                                                                        والسابع: الشهادة على جراح العمد.

                                                                                                                                                                                        والثامن: الشهادة على الزنا.

                                                                                                                                                                                        والتاسع: الشهادة على الإقرار بالزنا، وعلى كتاب القاضي بالزنا وأن القاضي حد فلانا في الزنا، أو على معتق أن سيده كان تبرأ من زناه في حين بيعه. [ ص: 5416 ]

                                                                                                                                                                                        والعاشر: شهادة النساء على ما لا يحضره غيرهن، كالولادة والاستهلال والحيض وعيوب الفرج والرضاع.

                                                                                                                                                                                        والحادي عشر: شهادتهن على من شهد منهن بمثل ذلك.

                                                                                                                                                                                        والثاني عشر: شهادتهن فيما يقع بينهن في الصنيع والمأتم والحمام من الجراح والقتل.

                                                                                                                                                                                        والثالث عشر: ما يقع بين الصبيان والصبيات من الجراح والقتل.

                                                                                                                                                                                        والرابع عشر: الترجمان والقائف والطبيب، ومقوم العيب والقاضي ومكشفه، يسأل الرجل عن التعديل أو التجريح، إذا لم يأت على وجه الشهادة.

                                                                                                                                                                                        والخامس عشر: الشهادة على الاستفاضة.

                                                                                                                                                                                        والسادس عشر: الشهادة على السماع.

                                                                                                                                                                                        وكل هذه مختلفة الأحكام.

                                                                                                                                                                                        فأما الشهادة على الأموال فتستحق بأربعة أوجه: بشهادة رجلين وبرجل وامرأتين وبرجل ويمين وبامرأتين ويمين.

                                                                                                                                                                                        وأما النكاح وما ذكر معه فيستحق بوجه واحد، بشهادة رجلين ولا مدخل فيه للنساء، ولا يستحق بشاهد ويمين إلا السرقة فيصح أن يستحق بما يستحق به المال; لأنها تتضمن حقين، حقا لآدمي وهو المال المسروق، وحقا لله -تعالى- وهو القطع، فلا يستحق القطع إلا برجلين، فإن شهد رجل وامرأتان استحق المال ولم يستحق القطع، وإن شهد رجل وامرأتان حلف واستحق المال ولم يقطع. [ ص: 5417 ]

                                                                                                                                                                                        وأما الشهادة على مال، إذا كانت تؤول إلى غير مال، فإنما تجري على الأصل في الشهادة على المال، ولا يغير ذلك ما يؤول إليه، فإن شهد رجل وامرأتان لمكاتب أنه دفع كتابته لسيده، أو لرجل أنه باع أمته من أبيها أو من زوجها، جازت الشهادة وأعتق المكاتب والأمة على أبيها، ووقع الفراق بين الزوجين.

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا شهد رجل وامرأتان على رجل، أنه أوصى بخمسين دينارا يشتري بها رقبة فتعتق. فقال محمد: لا تجوز الشهادة; لأنها إن اشتريت لم أقدر على أن أنفذ عتقها إلا بشهادة رجلين، وإن شهدوا بذلك لعبد رجل بعينه، أجزت الشهادة وزدت لصاحبه مثل ثلث ثمنه، إن لم يشهدوا على ثمن مسمى.

                                                                                                                                                                                        وقال مالك -في النوادر فيمن أوصى بشراء رقبة بعينها، أو بغير عينها وشهد على ذلك رجل وامرأتان-: أن الشهادة جائزة، كما لو شهدوا أنه قال بيعوا عبدي فلانا رقبة، أي: للعتق.

                                                                                                                                                                                        وأما الشهادة على ما ليس بمال، والمستحق بها مال، كالوكالة وما ذكر معها فاختلف فيها، فأجراها ابن القاسم على حكم الشهادة على المال، لما كان المستحق بها مالا، وأبقاها أشهب وعبد الملك على الأصل; لأنها ليست على [ ص: 5418 ] مال، كالنكاح وما أشبهه.

                                                                                                                                                                                        فإن شهد رجل وامرأتان على نكاح، بعد موت الزوج أو الزوجة، أو على ميت أن فلانا أعتقه، أو على نسب أن هذا ابنه أو أخوه، ولم يكن له وارث ثابت النسب، صحت الشهادة على قول ابن القاسم، وكان له الميراث، ولم تجز على قول أشهب; لأنه قال: لا يستحق الميراث إلا بعد ثبات الأصل بشهادة رجلين، فإن ثبت ذلك ثم شهد واحد أنه لا يعلم له وارثا سوى هذا، جازت واستحق المال.

                                                                                                                                                                                        وأجاز ابن القاسم شهادة رجل وامرأتين على الوكالة، وعلى النقل عن شهادة رجلين، ومنع ذلك عبد الملك وسحنون وقالا: كل موضع لا يجوز فيه شاهد ويمين، فلا تجوز فيه شهادة النساء، وإذا لم يكن للنساء في ذلك مدخل لم تجز إلا بشهادة رجلين.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية