الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [العبد أو الجارية يدعيان الحرية]

                                                                                                                                                                                        وقال مالك -في كتاب محمد في العبد أو الجارية، يدعيان الحرية ويذكران أن لهما بينة غائبة، ويريدان أن يمكنا من طلبهما-: فلا أرى ذلك لهما، إلا أن يأتيا بأمر فيه شبهة الحق ويأتيا بحميل، وإن ثبت أحدهما وادعى آخر بعيد الغيبة لم يقبل منه ومكن سيده منه، إلا أن يأتي بشاهد آخر.

                                                                                                                                                                                        وقال أيضا: يحبس ولا يخلى يذهب، ويوكل من يطلب شهوده، وإن كانت جارية وأثبتت شاهدا، وقف السيد عنها فإن كان مأمونا أمر بالكف عنها، وإن كان غير مأمون رأيت أن توقف، ويضرب له أجل الشهرين ونحوهما.

                                                                                                                                                                                        وقال أصبغ: إن كانت من الوخش رأيتها مثل العبد يخلى سبيلها تطلب منافعها إذا جاءت بحميل، وإن كانت رائعة فلا، وتؤمر أن توكل، أو يجعل لها السلطان محتسبا.

                                                                                                                                                                                        ومن ادعى عقارا أو أتى بلطخ، منع المدعى عليه من أن يحدث فيها هدما أو بناء. قال -في المدونة-: ولا يؤخذ منه الحميل.

                                                                                                                                                                                        وقال سحنون: يؤخذ منه حميل؛ لأن مالكا لا يرى القضاء على الغائب في الرباع، حتى يعذر إليه ويكاتب، إذا كان قريب الغيبة، ويضرب له الأجل [ ص: 5490 ] وإن كان قريبا انتظر.

                                                                                                                                                                                        قال محمد: إن هرب بعد أن ذكر حجته واستقصى التلوم حكم عليه. وأرى أن يؤخذ منه حميل إن طلب ذلك المدعي في أول الخصومة، وليس ذلك له إن استقصى حجته; لأنه إن هرب حكم عليه على قطع دعواه، ولم يوقف على حجته.

                                                                                                                                                                                        ومن المدونة فيمن ادعى ما لا يبقى، وشرع إليه الفساد كاللحم ورطب الفواكه، وأتى بلطخ أو بينة لا يعرفها القاضي، وقال الجاحد وهو البائع، أو المدعي وهو المشتري: يخاف فساده أو لم يقولاه، فإن أثبت لطخا وقال لي بينة حاضرة، أو أقام شاهدا وقال عندي شاهد آخر ولا أحلف، فإن لم يحضر ما ينتفع به وخشي عليه الفساد، خلي بين البائع وبين مبتاعه، وأما الشاهدان ينظر في عدالتهما، فإن خشي الفساد بيع ووقف الثمن، فإن زكيت قضي به للمشتري، إن كان هو المدعي ويدفع الثمن الذي اشترى به، كان أقل أو أكثر.

                                                                                                                                                                                        ويقال للبائع: أنت أعلم بما زاد ثمن المشتري عندك، وإن لم تزك البينة دفع الموقوف للبائع، وإن ضاع الثمن قبل ذلك، كان ممن يقضى له به. فأجاز الشهادة على ما لا يعرف عينه، بعد [ ص: 5491 ] المفارقة إذا أثبت لطخا، أو أقام شاهدا وقال: آتي بآخر، ولم ير أن يباع إذا أثبت لطخا; لأنه لا يباع على إنسان ملكه باللطخ، وكذلك الشاهد إذا قال: لا أحلف معه، ولو قال: إن لم أجد آخر حلفت معه لبيع.

                                                                                                                                                                                        وأرى إذا بيع لينظر في البينة ثم عدلت أن يكون المشتري بالخيار بين ثلاثة أوجه: بين أن يفسخ عن نفسه; لأن البائع لم يمكنه منه، ويغرمه مثله، أو يأخذ ما بيع به إذا كان الأول جزافا، ويغرم الثمن الذي اشترى به، وإن لم تزك البينة كان الموقوف للبائع، ولا شيء له على المشتري إن بيع بأقل، والفرق بين الموضعين أنه في الأول إذا أثبت البينة بالبيع كانت شهادته على البائع بالتعدي فأجري على حكم المتعدي، وإن لم تعدل كان الأمر محتملا، هل تعدى المشتري في دعواه؟ والاختلاف شبهة، وأرى إن أتى بلطخ فسلم إلى البائع لما خشي عليه ثم ثبتت البينة بالبيع كان المشتري بالخيار بين أن يفسخ عن نفسه البيع أو يغرمه المثل.

                                                                                                                                                                                        ولا تقبل الشهادة فيه على الصفة بعد تسليمه، وإن كان البائع المدعي للبيع، وأنكر الآخر الشراء، وبيع لتعديل البينة، فإن عدلت كان ما بيع به للمشتري وغرم الثمن، وإن لم تعدل كان ما بيع به لصاحبه. [ ص: 5492 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية