الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب في عقوبة شاهد الزور، وهل تجوز شهادته إذا حسن حاله

                                                                                                                                                                                        ويعاقب شاهد الزور إذا ظهر عليه، ويطاف به ولا يسود وجهه، وقال محمد بن عبد الحكم: ويكتب القاضي بذلك كتابا، ويشهد فيه ويجعله نسخا يستودعها عند من يثق به . واختلف في عقوبته إذا أتى تائبا ولم يظهر عليه، فقال ابن القاسم فيمن رجع عن شهادته ولم يأت بعذر، لو أدب لكان لذلك أهلا. وقال سحنون في العتبية: لا يعاقب، ولو عوقب لم يرجع أحد عن شهادته خوف العقوبة، وقياسا على المرتد . يريد أنه لا يعاقب إذا رجع إلى الإسلام. وقال مالك -في المبسوط فيمن أصاب أهله في رمضان، ثم أتى يسأل عن ذلك-: فلا عقوبة عليه. قال: ولو عوقب خشيت أن لا يأتي أحد يستفتي في ذلك . واحتج بالحديث الذي قال: "احترقت احترقت فلم يعاقبه النبي - صلى الله عليه وسلم -" . فأما قبول شهادته في المستقبل، فإن أتى تائبا ثم انتقل حاله [ ص: 5539 ] إلى خير وصلاح قبلت إلا أن يكون قبل ذلك، عرف بالخير والصلاح فلا تقبل. وقد تقدم قول أصبغ في كتاب الأقضية، أن لا تقبل شهادته أبدا إذا أقر بشهادة الزور . والأول أحسن. واختلف إذا ظهر عليه ثم تاب وانتقل إلى خير وصلاح، فقال محمد: قول ابن القاسم الآخر ألا تقبل شهادته إذا اطلع عليه، قال: وقد روي لنا فيه عن ابن القاسم قولان، والمنع ها هنا أحسن، ولم يختلف المذهب في الزنديق يظهر عليه ، أن توبته غير مقبولة، وهما يتفقان في أن لا تقبل توبتهما بالحضرة، فإذا لم تقبل سقطت شهادة هذا وقتل هذا.

                                                                                                                                                                                        ويفترقان ويختلفان في أن شاهد الزور، له حياة بعد ذلك يظهر فيها صلاحه، وانتقال حاله فقبلت شهادته؛ لذلك ليس بمجرد قوله الأول إني تائب، ولو غفل عن رفع الشهادة عن الزنديق، حتى ظهر صلاحه ودينه وانتقال حاله لم يكن كذلك. قيل: لا شبه أن يقال تقبل توبته مثل الشاهد، [ ص: 5540 ] ولأنها شبهة يدرأ بها القتل، وأن يقال لا تقبل توبته أحسن ؛ لأنه يفعل ذلك ضرورة لما تقدم من الظهور عليه ليدفع عن دمه، ولا ضرورة بالشاهد.

                                                                                                                                                                                        وكمل كتاب الشهادة والحمد لله رب العالمين

                                                                                                                                                                                        وصلى الله على محمد خاتم النبيين وسيد المرسلين

                                                                                                                                                                                        وآله وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية