الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل في أحاديث الشك

                                                                                                                                                                                        وأحاديث الشك ثلاثة:

                                                                                                                                                                                        - حديث أبي هريرة قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن أحدكم إذا قام يصلي جاءه الشيطان فلبس عليه، حتى لا يدري كم صلى، فإذا وجد ذلك أحدكم فليسجد سجدتين وهو جالس".

                                                                                                                                                                                        - وحديث أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلى، فليطرح الشك وليبن على ما استيقن، ثم يسجد [ ص: 521 ] سجدتين قبل أن يسلم، فإن كان صلى خمسا شفعن له صلاته، وإن كان صلى إتماما كانت ترغيما للشيطان".

                                                                                                                                                                                        - وحديث ابن مسعود قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "... إذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب وليتم عليه..."، وقال أيضا: "...فليتحر أقرب ذلك إلى الصواب..."، وقال: ".. فلينظر أحرى ذلك إلى الصواب...".

                                                                                                                                                                                        فأما الحديثان الأولان فقد تعارضا; لأنه لم يجعل عليه في الأول أن يأتي بما شك فيه، وجعل ذلك عليه في الحديث الآخر، وأجاز بعض أهل العلم أن يأخذ بأيهما أحب؛ لعدم الترجيح، ومنهم من أخذ بحديث أبي سعيد; لأنه ترجح على الأول بالقياس; لأن محمل من شك، هل صلى؟ على أنه لم يصل حتى يعلم أنه صلى; لأن الأصل عدم الفعل حتى يعلم أنه فعل، ولأن الركعة في الذمة بيقين، فلا يبرأ منها بشك، وقياسا على من شك في جملة الصلاة: هل صلى أو لم يصل؟ فإنه لا يبرأ من ذلك بالشك. [ ص: 522 ]

                                                                                                                                                                                        ومن الناس من تأول الحديث الأول على من يتكرر ذلك منه، وهذا فاسد لوجهين:

                                                                                                                                                                                        أحدهما: أن مفهوم قوله -صلى الله عليه وسلم-: "فإذا وجد ذلك أحدكم" فإنه بأول الوجود.

                                                                                                                                                                                        والثاني: أنه فتوى لمن نزل ذلك به، وليس بنازلة في عين، فيقال: إنه فهم من السائل أنه يتكرر عليه.

                                                                                                                                                                                        وهذا مع تساوي الشك فإنه يأتي بما شك فيه، واختلف إذا غلب على ظنه أنها أربع: فقيل: الجواب كالأول، وعليه أن يأتي بركعة. وقيل: تجزئه صلاته ولا يأتي بركعة; لحديث ابن مسعود، وأنه يتحرى أقرب ذلك إلى الصواب.

                                                                                                                                                                                        قال الشيخ -رضي الله عنه-: أما إذا ترجح له أنها رابعة والشك في نفسه بعد ذلك قوي - فإنه يأتي بركعة. وإن ضعف الشك وصار عنده كالوسوسة في التحري; فيستحسن أن يجتزئ بها من غير ركعة.

                                                                                                                                                                                        وكل هذا إذا لم يتكرر عليه الشك، وإن تكرر حمل على أنها أربع ولم يكن عليه أن يأتي بالرابعة. وهذا إذا كان السابق إليه أنه في أربع ثم شك أن يكون في ثلاثة. وإن سبق إليه أنه في ثلاثة ثم شك: هل هي رابعة؟ أتى بالرابعة أبدا.

                                                                                                                                                                                        وقال مالك في كتاب محمد: فإن كثر عليه الشك في صلاته: لا يدري سها أم لا- فإنه يسجد بعد السلام، وإن كثر عليه السهو ترك سجود السهو. [ ص: 523 ]

                                                                                                                                                                                        قال محمد: وهي خلاف التي قبلها. يريد: أن من كثر عليه الشك ليس عليه أن يأتي بما شك فيه، فلم يسقط عنه سجود السهو، والآخر كثر عليه السهو ولم يشك فيه فكان عليه أن يأتي بما سها. وأسقط عنه سجود السهو; لتكرره عليه.

                                                                                                                                                                                        وقال ابن حبيب: اختلف قول مالك في الذي يكثر عليه السهو، فأمره مرة بالسجود، ومرة قال: لا سجود عليه.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية