الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [في ضمان الوديعة]

                                                                                                                                                                                        ومن المدونة قال ابن القاسم فيمن أودع وديعة فجعلها في بيته أو في صندوقه فضاعت: فلا ضمان عليه، وإن دفعها إلى زوجته أو خادمه لترفعها في بيته فلا ضمان، وهذا مما لا بد للناس منه، وقال أيضا: إذا كانتا اللتين ترفعان له فلا ضمان عليه .

                                                                                                                                                                                        وقال أشهب: إن استودعها عبده أو خادمه أو أجيره ممن هو في عياله أو غير عياله ضمن، وإن وضعها في بيته أو صندوقه أو غير ذلك من بيته أو بيت غيره ولم يأمنه عليها ويخلي بينه وبينها لم يضمن . [ ص: 5979 ]

                                                                                                                                                                                        قال الشيخ - رضي الله عنه -: إن وضعها في بيته أو جعلها في صندوقه ولم يقفل عليها، وكان لا يتصرف له أحد، أو له أهل لا يخافهم عليها لم يضمن، وإن كان يخافهم ضمن إلا أن يقفل عليها، وإن كان عهد منهم الخيانة بعد القفل ضمن، وإن قفل، وإن شرط صاحبها أن يقفل عليها فلم يفعل ضمن، وإن لم يكن له أهل أو كانوا مأمونين.

                                                                                                                                                                                        وقال محمد بن عبد الحكم: إذا قال: اجعلها في تابوتك ولا تقفل عليها، ففعل فسرقت ضمن; لأن السارق إذا رأى التابوت مقفلا كان أطمع، ولو قال له : اقفل عليها قفلا واحدا، فقفل عليها قفلين لم يضمن .

                                                                                                                                                                                        قال الشيخ - رضي الله عنه -: السارق يقصد التابوت وإن لم يكن عليه قفل; لأنه يعلم أنه مما يرفع فيه فلم يكن لزيادة الأطماع وجه كما لم يكن إذا قفل بقفلين.

                                                                                                                                                                                        قال: ولو قال له: اجعلها في قدر فخار، فجعلها في سطل ضمن، ولو قال له: اجعلها في سطل، فجعلها في قدر فخار لم يضمن . يريد: لأنه خالف إلى ما لا يقصد سرقته، والأول خالف إلى ما يقصد سرقته في نفسه وهو السطل، ولو قال له: اجعلها في هذا السطل، فجعلها في مثله لم يضمن، ولو لقيه في غير بيته فقال له: اجعلها في وسطك فجعلها في كمه أو جيبه ضمن. ولو قال له: اجعلها في كمك فجعلها في وسطه أو في عمامته لم يضمن. ولو قال: اجعلها في [ ص: 5980 ] عمامتك فجعلها في وسطه لم يضمن. ولو لم يشترط حيث يجعلها فجعلها في كمه أو في عمامته لم يضمن. وفي جعلها في الجيب نظر.

                                                                                                                                                                                        وقال ابن وهب في العتبية: إن دفعت إليه وهو في المسجد أو في مجلس فجعلها على نعله فذهبت لم يضمن . يريد: إذا جعلها هناك بحضرته أو بعد أن غاب وكانت الوديعة ثيابا أو دراهم كثيرة مما الشأن ألا يجعل في كمه إلا عند القيام، وإن كانت صرة دنانير ضمن; لأنه فرط، ولو أخذ نعله فنثرها ناسيا ضمن.

                                                                                                                                                                                        ويختلف إذا قام ونسيها، فقال ابن حبيب: يضمن ، ويجري فيها قول آخر ألا ضمان عليه قياسا على المودع مائة دينار فيدعيها رجلان وينسى أيهما أودعه، أو اشترى ثوبين من رجلين بالخيار فاختلطا ولم يدر لمن الجيد منهما، فاختلف هل يضمن لهما أو لا يكون عليه شيء؟ وأن يعذر بالنسيان أبين; لأنه لا يعد بالنسيان مفرطا.

                                                                                                                                                                                        وقال ابن الماجشون فيمن أودع وديعة فأراد أن يأخذ ماله فأخطأ فأخذ الوديعة: هو ضامن، وهذا أصوب; لأن هذا أخطأ بفعل والأول بنسيان بغير فعل، وكذلك الذي نسي فنثرها من نعله ضمن بالفعل ليس بمجرد النسيان.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية