الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [في تسليم الوديعة بأمارة المودع أو بكتابه وهل تلزم بهما؟]

                                                                                                                                                                                        وليس على المودع أن يسلم الوديعة بأمارة المودع ولا بكتابه، وإن اعترف المودع أنه خطه إلا أن يثبت الرسول عند الحاكم أنه خط المودع، قال في كتاب [ ص: 6006 ] محمد: لأن صاحب الحق لو كان حاضرا لم يجز له أخذها حتى يشهد له بما يبرأ به. يريد: لأن من حقه الإبراء، والإشهاد عند القبض لا يبرئه، إلا أن يعرف المودع أنه رضي لصاحبها تسليمها بذلك أو رضي الآن بتسليمها فيلزم ما رضي به، وإن رضي أن يدفعها إلى الرسول بغير أمارة ولا كتاب والوديعة عين والمودع موسر جاز رضاه وألزم ما ألزم نفسه من ذلك، فإن أنكره المودع أن يكون أرسله قام المودع بالمثل فلم يكن على صاحبها في ذلك ضرر إن قال: لم أبعث، وإن كانت عرضا أو غير ذلك مما لا يقضى على متلفه بالمثل أو عينا والمودع معسرا لم يجز ورد رضاه; لأن في ذلك ضررا على صاحبها إن قال: لم أبعث، إلا أن يكون الرسول ثقة مأمونا ممن يغلب على الظن صدقه، فيمكن من قبضها ويلزم الآخر ما رضي به.

                                                                                                                                                                                        وإن وقع الدفع بأمارة أو كتاب من غير ثبت أو بقول الرسول خاصة، ثم قدم المودع فأنكر أن يكون بعثه كان القول قوله مع يمينه أنه لم يبعثه ولا كتب، ثم يكون بالخيار بين أن يغرم الرسول أو المودع، فإن غرم الرسول لم يرجع بها على المودع .

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا أغرمها المودع هل يرجع بها على الرسول، قال ابن القاسم في المدونة: إذا صدق الرسول ودفع إليه ثم قدم الغائب وأنكر وأغرم المودع - كان له أن يرجع بها على الرسول.

                                                                                                                                                                                        وقال أشهب في مدونته: لا يرجع بها، وقال محمد بن المواز: إذا دفع بالكتاب أو بأمارة ثم أنكر المودع وحلف ثم أغرم المودع كان له أن يرجع على القابض وعلى قول أشهب لا يرجع . [ ص: 6007 ]

                                                                                                                                                                                        وإن قال المودع أمرتني أن أدفعها إلى فلان صدقة عليه وأنكر ذلك صاحبها وأن يكون أذن له في خروجها عن يده كان القول قوله مع يمينه ثم يغرمها أيهما أحب، وإن صدقه أنه أذن له أن يدفعها إليه وقال: لتكون عنده وديعة وقال الرسول: أذنت لي أن أدفعها إليه على وجه الصدقة عليه - كان القول قول ربها إذا كان الرسول غير عدل.

                                                                                                                                                                                        واختلف في جواز شهادته إذا كان عدلا فأجازها ابن القاسم.

                                                                                                                                                                                        وقال أشهب في مدونته وعبد الملك في المبسوط: لا تجوز شهادته وأرى أن تجوز إذا كانت قائمة أو فائتة وهي عين والمبعوث إليه موسر; لأنه قد كان له أن يتصرف فيها من غير إذن صاحبها، ولا تجوز الشهادة إذا كان فقيرا لو كانت عروضا; لأن المبعوث إليه ضامن لها; لأنه أتلفها بقوله ذلك، فإن رجع صاحبها على متلفها لم يرجع بها الغارم على الرسول.

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا رجع بها صاحبها على الرسول، هل يرجع الرسول على من قبضها منه، فعلى قول أشهب يرجع عليه ، وقال عبد الملك: يرجع .

                                                                                                                                                                                        وأرى الرجوع في هذه الأسئلة الأربعة مفترقا:

                                                                                                                                                                                        - فيسقط رجوعه في كل موضع يعترف المودع أن القابض قبض بوجه [ ص: 6008 ] صحيح، وأن المودع ظالم في إغرامه.

                                                                                                                                                                                        - ويرجع في كل موضع يكون من القابض على شك هل قبض بوجه صحيح أم لا؟

                                                                                                                                                                                        - فإذا كان دفعه بخط المودع أو بأمارة أو بقوله: ادفعها صدقة عليه لم يرجع.

                                                                                                                                                                                        - وإن كان دفعه بقول القابض أرسلني إليك رجع; لأنه يقول: حملت قولك على أنه يصدقك ولو علمت أن المودع يخالفك لم أدفع إليك.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية