الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب في الأمة تجني ثم يصيبها سيدها فتحمل أو لا تحمل [وهو موسر أو معسر، وإذا خلف الرجل أمة فأصابها ولده فحملت وهو معسر أو موسر

                                                                                                                                                                                        ومن المدونة قال ابن القاسم في الأمة تجني ثم يصيبها سيدها فتحمل: إنه إن لم يكن له علم بجنايتها أمضيت له أم ولد وكان عليه الأقل من قيمتها يوم حملت أو الجناية، وسواء كان موسرا أو معسرا.

                                                                                                                                                                                        وإن كان عالما بالجناية كان ذلك رضا منه بحمل الجناية، وإن كان موسرا غرم الجناية وإن كانت أكثر من قيمتها ، وإن كان معسرا أسلمت إلى المجني عليه دون ولدها . [ ص: 6332 ]

                                                                                                                                                                                        ويختلف في هذه المسألة في أربعة مواضع:

                                                                                                                                                                                        أحدها: أن يكون غير عالم وهو موسر هل تكون القيمة يوم الحكم أو يوم حملت؟

                                                                                                                                                                                        والثاني: إذا كان معسرا وهو غير عالم هل تمضي أم ولد أو يكون للمجني عليه أن يأخذها؟

                                                                                                                                                                                        والثالث: إذا كان عالما وهو موسر هل تعد إصابتها رضا بحمل الجناية أم لا؟

                                                                                                                                                                                        والرابع: إذا كان معسرا وكان له أن يأخذها هل يتبعه بقيمة الولد؟

                                                                                                                                                                                        فقال ابن القاسم: إذا وطئ وهو غير عالم فالقيمة يوم حملت . وعلى قوله في أم الولد إذا جنت القيمة يوم الحكم تكون القيمة في هذه يوم الحكم. وهذا راجع إلى المستحقة إذا حملت، فقال مرة: القيمة فيها يوم الحكم، وقال مرة: يوم حملت لأنها كانت يوم جنت أمة وللمجني عليه فيها حق [ ص: 6333 ] فحملت بوجه شبهة وقام المجني عليه بحق له فيه بعد الوطء.

                                                                                                                                                                                        وأما إذا كان غير عالم وهو معسر، فقال ابن القاسم: تمضي له أم ولد بالأقل من قيمتها وقيمة الجناية، وقال: بمنزلة من خلف أمة وعليه دين فأصابها ولده فحملت وهو فقير أنها تمضي له أم ولد وعليه الأقل من قيمتها أو الدين . وقال غيره : للمجني عليه أن يأخذها بخلاف من هلك وعليه دين، قال: لأن المجني عليه ملك رقبتها. وهو أحسن.

                                                                                                                                                                                        والوجه فيه كما قال الغير أن المجني عليه قد ملك رقبتها إلا أن يفتدي منه فأشبه من استحق أمة وقد حملت من المشتري وهو معسر، فإن للمجني عليه أن يأخذها ولو سلم القول أنها تمضي أم ولد لوجب أن يتبع السيد بقيمتها.

                                                                                                                                                                                        وإن كانت القيمة أكثر من الجناية; لأن السيد يقول: إنما يكون لك أن تغرم الجناية إن كانت أقل من الرقبة مع اليسر، فيقول: أنا أفتديها منك وأغرم الجناية، وإذا كنت معسرا وقلت: أنا أقبلها وألتزم الجناية وأتبع بها لم يكن لك ذلك، وإذا لم يكن ذلك له أتبع بالقيمة وإن كثرت; لأنه أفاتها بوجه شبهة. [ ص: 6334 ]

                                                                                                                                                                                        وفي كتاب محمد: إذا كان عالما موسرا أنه لا يكون ذلك رضا بالتزام الجناية إذا حلف أنه لم يرض بحمل الجناية، وهو إذا كان عالما بالجناية وبما يوجب الحكم أنه يمنع منها إلا أن يحمل الجناية، فإن كان ممن يجهل ذلك حلف أنه جهل الحكم في ذلك وكان بمنزلة من لم يعلم .

                                                                                                                                                                                        وفي كتاب محمد: إذا حملت الأمة بعد الجناية فولدت أن ولدها يسلم معها، فعلى هذا إذا كان عالما فقيرا و أسلمت الأمة فولدت أنه يتبع بقيمة الولد، فإذا خلف الميت أمة وولدا، فحملت الأمة من الابن كان عليه الأقل من قيمتها أو الدين عالما كان أو غير عالم إن كان موسرا، وكذلك إن كان معسرا ولم يعلم، وإذا كان عالما أخذت الأمة.

                                                                                                                                                                                        ويختلف هل يتبع بقيمة الولد؟ قال غير ابن القاسم: لو باعها الوارث [ ص: 6335 ] ولا علم عنده في الدين ففاتته عند المشتري بالعتق أو اتخاذها أم ولد لم ترد الأمة وكان للغرماء أن يأخذوا الثمن إن وجدوه وإلا اتبعوا به من أخذه.

                                                                                                                                                                                        قال الشيخ - رضي الله عنه -: ولو كان الوارث عالما بالدين فأعسر بالثمن لكان للغريم أن يتبع الواطئ بقيمتها على أصله. [ ص: 6336 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية