الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [في القسامة في دم الحر المسلم]

                                                                                                                                                                                        القسامة تجب في دم الحر المسلم في العمد والخطأ وسواء كانت الدعوى على حر مسلم أو عبد أو نصراني ، ولا يستحق دم الحر المسلم في العمد والخطأ من عبد أو نصراني إلا بقسامة خمسين يمينا مثل ما يستحق من الحر المسلم، وإذا كان المقتول عبدا أو نصرانيا لم تكن فيه قسامة كان قاتله حرا مسلما أو عبدا أو نصرانيا، كل ذلك سواء لا قسامة فيه.

                                                                                                                                                                                        وقال محمد في الحر المسلم يقتله العبد وينكل أولياؤه: إن كانت القسامة بقول الميت قتلني فلان أو بشاهد عدل على القتل المؤخر حلف السيد يمينا [ ص: 6462 ] واحدة على علمه، فإن نكل لزمه أن يسلمه أو يفديه بدية المقتول، قال: وقيل يحلف العبد خمسين يمينا .

                                                                                                                                                                                        وإن وجبت القسامة بالبينة فبرئ من ذلك الجرح فمات لم ترد اليمين ها هنا على العبد ولا على السيد وقد ثبت جرحه، فإما فداه السيد بدية ذلك الجرح أو يسلمه ويضرب العبد مائة ويسجن عاما.

                                                                                                                                                                                        يريد: لأن السيد والعبد يقولان: لا علم عندنا هل مات منه أم لا؟

                                                                                                                                                                                        ونحن نجوز أن يكون مات منه إلا أنه لا يستحق دية في عمد ولا خطأ إلا بقسامة ولا وجه ليمين السيد في المسألة الأولى; لأنه لا علم عنده ولا يدعي عليه علم; لأنه لم يحضر ذلك ويمين العبد صواب; لأنه باشر القتل على قول الشاهد أو الميت.

                                                                                                                                                                                        وإن كانت القسامة على نصراني فنكل الأولياء عن الأيمان وكانت القسامة على قول المقتول: قتلني فلان، أو على ما شهد به الشاهد .

                                                                                                                                                                                        فإن كان العبد هو المقتول وقال: قتلني فلان لم يكن لسيده أن يحلف مع قوله ويستحق قيمته إن كان المدعى عليه حرا ولا القصاص إن كان المدعى عليه عبدا، ولكن ترد اليمين على المدعى عليه إن كان حرا. [ ص: 6463 ]

                                                                                                                                                                                        واختلف كم يحلف وفي سجنه وضربه على ثلاثة أقوال: فقيل يحلف الحر يمينا واحدة ولا شيء عليه من قيمة ولا ضرب ولا سجن، فإن نكل غرم قيمته وضرب مائة وسجن عاما.

                                                                                                                                                                                        وقال أشهب: يحلف الحر خمسين يمينا ويبرأ، فإن نكل حلف سيده واستحق قيمته ويضرب المدعى عليه ويسجن عاما وسواء حلف أو نكل، وقال عبد الملك بن الماجشون: يحلف الحر يمينا واحدة إن كان يعرف بينهما عداوة بعد أن يسجن ويكشف عن أمره، فإن نكل ضرب أدبا وكذلك العبد، وليس يضرب المائة ويسجن سنة إلا من ملك قتله فعفي عنه أو ملكت عليه القسامة فردت عليه اليمين واجتبر عليه .

                                                                                                                                                                                        وإن قال النصراني: قتلني فلان أو شهد شاهد على القتل المجهز أو شاهدان على جرحه فنزي منه ثم مات افترق الجواب، فقال محمد: إذا قال قتلني فلان حلف المدعى عليه خمسين يمينا ولا يجلد مائة ولا يسجن سنة .

                                                                                                                                                                                        ويختلف إذا شاهد شهد على قتله فقال مالك في المدونة: يحلف ولاته يمينا واحدة ويستحقون الدية على من قتله مسلما كان أو نصرانيا .

                                                                                                                                                                                        وقال أشهب وابن عبد الحكم في كتاب محمد: يحلف المسلم المدعى عليه خمسين يمينا ويضرب مائة ويسجن عاما، وأما إن ثبت جرحه بشاهدين فنزي [ ص: 6464 ] منه فمات بعد أيام فقال ابن عبد الحكم : يحلف ولاته يمينا واحدة ويستحقون ديته; لأنه لا قسامة لهم ولا يستقيم أن يحلف على ميت أنه مات منه فلم أجد بدا من أن أحلفهم أحب إلي من أن أعطيهم بغير يمين . [ ص: 6465 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية