الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب إذا اجتمع جنسان من صنف واحد في ملك واحد ، ضأن ومعز وبقر وجواميس ، أو إبل وبخت

                                                                                                                                                                                        الضأن والمعز في الزكاة صنف واحد يجمع بعضه إلى بعض ، وكذلك البقر والجواميس صنف ، والإبل العراب والبخت صنف .

                                                                                                                                                                                        فإذا كانت الغنم أربعين شاة ، وهي ضأن ومعز ، أخذت الشاة من أكثرها .

                                                                                                                                                                                        وقال ابن القاسم : إذا كانت متساوية يأخذ المصدق من أيها شاء ، . والقياس أن يكون فيها نصف ضائنة ونصف ماعزة ، من غير خيار المصدق . وليس قول المصدق : آخذ ضائنة بأولى من قول رب الماشية : أنا أدفع معزة . وإذا لم يكن قول أحدهما أولى من الآخر كان نصفا ونصفا .

                                                                                                                                                                                        فإن كانت الغنم ثمانين ، أربعين ضأنا ، وأربعين معزا ، كان الساعي بالخيار ، يأخذ من أيهما شاء .

                                                                                                                                                                                        وإن كانت مائة وعشرين ، وكان أحد الصنفين دون النصاب : تسعة وثلاثين إلى ما دون ذلك ، كانت الصدقة من النصاب دون غيره . وإن كان في كل واحد منهما نصاب ، وهي متساوية ، ستون وستون ، كان المصدق بالخيار [ ص: 1018 ] يأخذ شاة من أيهما شاء ، إذا كان أفضل للمساكين .

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا كانت ثمانين وأربعين ؛ فقال ابن القاسم : يأخذ من الأكثر . وقال محمد بن مسلمة : المصدق بالخيار يأخذ من أيهما شاء ؛ لأن كل واحدة منهما لو كانت وحدها أخذ منها شاة ، فله أن يأخذ من هذه ، ويطرح الأخرى .

                                                                                                                                                                                        وهو أحسن ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أوجب في أربعين شاة ، وعفا عما زاد عليها إلى العشرين ومائة ، فلم يجعل فيها شيئا ، وكان للمصدق أن يأخذ الشاة من الضأن وإن كانت أربعين ، ويترك ما سواها .

                                                                                                                                                                                        واختلف عن مالك في هذا الأصل ؛ فرأى مرة أن الزكاة إنما تؤخذ عن الأربعين ، ومرة عن العشرين ومائة . فعلى قوله : إنها تؤخذ عن الأربعين يصح أن يكون المصدق بالخيار . وعلى قوله : إنها تؤخذ عن العشرين ومائة يصح القول : إنها تؤخذ من الأكثر ، إلا أن تكون الضأن لم يحل عليها الحول ، فلا يؤخذ منها على قول ابن مسلمة ؛ لأنه علل بزكاتها على الانفراد . فإذا أراد أن يأخذ منها على الانفراد ، ويسقط الباقي ، قال المالك : لم يحل عليها الحول ، فليس لك أن تأخذ منها .

                                                                                                                                                                                        وإن كان جميعها مائة وإحدى وعشرين ، وكان أحد الصنفين إحدى [ ص: 1019 ] وثمانين ، والآخر أربعين ، أخذ من كل واحدة منهما شاة . فإن كانت اثنتين وثمانين ، وتسعة وثلاثين أخذ الساعي الشاتين من الأكثر . وقد قال في مثلها : إنه يأخذ من كل واحدة منهما شاة . فقال في أربعين بقرة وعشرين جاموسا : إنه يأخذ تبيعا من البقر ، وتبيعا من الجواميس . فعلى هذا يأخذ من الضأن شاة عن ستين ونصف ، ثم يضاف بقيتها إلى المعز ، فتوجد المعز أكثر ، فيأخذ منها ؛ لأنها أكثر من الفاضل عن الستين ونصف .

                                                                                                                                                                                        وقال ابن القاسم : إذا كان جميعها مائة وستين : عشرين ومائة ضائنة ، وأربعين معزة ، أخذ منها ضائنة ومعزة ؛ لأن المعز أوجبت الشاة الثانية ، وفيها نصاب . وعلى القول : إن الوقص داخل في الزكاة ، وإن الزكاة تؤخذ عن ستين ومائة ، يأخذ الضائنة عن ثمانين من الضأن ، ويكون بالخيار في الأخرى . وعلى قول سحنون ، يأخذ شاتين من الضأن ؛ لأنه نقص الأربعين عن العشرين ومائة ، فتكون ستين ضائنة وعشرين معزة فيها شاة من الأكثر ، وكذلك الصنف الآخر . وإن كانت الضأن مائة وإحدى وعشرين ، والمعز أربعين ، أخذ الشاتين من الضأن . وهذا قول ابن القاسم . وقال محمد بن مسلمة : الساعي بالخيار بين أن يأخذ ضائنتين ؛ لأن ذلك مما يجب فيها لو لم [ ص: 1020 ] يكن فيها معز ، أو يأخذ ضائنة ومعزة ؛ لأنه قد كانت تكون في الضأن شاة ، وفي المعز شاة .

                                                                                                                                                                                        يريد : إذا كانت المعز حال عليها الحول ، وإن حال الحول على المعز وحدها زكى جميعها زكاة الاجتماع . [ ص: 1021 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية