الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب فيمن تصح منه الذكاة

                                                                                                                                                                                        الذكاة تصح من مسلم بالغ عاقل غير مضيع لصلواته، ومن كتابي ذبح لنفسه، وهذه جملة متفق عليها. ولا تصح من خمس: صغير لا يميز معنى العبادات، ومجنون، وسكران ذاهب العقل، ومجوسي.

                                                                                                                                                                                        واختلف في ذكاة أربع: البالغ إذا كان مضيعا لصلواته، والصبي إذا لم يحتلم، والمرأة، والكتابي يوكله المسلم على أن يذبح له. فأجاز مالك ذبائحهم . وقال في كتاب ابن حبيب : لا تؤكل ذبيحة الذي يدع الصلاة، ولا ذبيحة الذي يضيعها ويعرف بالتهاون بها; لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -قال: "ليس بين العبد وبين الكفر إلا ترك الصلاة، فمن ترك الصلاة فقد كفر" .

                                                                                                                                                                                        وقال مالك في كتاب محمد : تكره ذبيحة الصبي والمرأة من غير ضرورة، وتؤكل إن فعلا . وقال أبو مصعب: لا أحب أكل ذبيحة الغلام إذا لم يحتلم، ولا ذبيحة المرأة. وإن ذبحا في حال الضرورة; فلا أحب ذلك أيضا.

                                                                                                                                                                                        وروى ابن أبي أويس عن مالك في المبسوط في النصراني يوليه المسلم أن يذبح له، فقال: لا، إنما يحل لي آكل طعامه. وأما شيء بيدي ملكه [ ص: 1534 ] أوليه إياه فلا .

                                                                                                                                                                                        قال الشيخ - رضي الله عنه -: الذكاة تعبد تفتقر إلى نية، فلو رمى رجل شاة بسكين ففرى الأوداج والحلقوم، وهو لا يريد الذكاة; لم تؤكل لعدم النية. وإذا كان ذلك لم تصح ذكاة فاقد العقل من مجنون ولا سكران، ولا صغير لا ميز عنده، وتصح إذا كان عنده ميز. قال مالك : إذا أطاق الذبح وعرفه .

                                                                                                                                                                                        وتجوز ذبيحة المرأة للحديث: أن أمة لكعب بن مالك - رضي الله عنه - كانت ترعى غنما بسلع، فأبصرت بشاة موتا، فأدركتها فذكتها بحجر، فسئل النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: "كلوها" أخرجه البخاري ومسلم .

                                                                                                                                                                                        وفي هذا الحديث خمس فوائد: جواز ذكاة النساء، والإماء، والذكاة بالحجر، وذكاة ما أشرف على الموت، وذكاة غير المالك بغير وكالة.

                                                                                                                                                                                        وأرى أن تؤكل ذبيحة من يترك الصلاة; لأنه مسلم. ومعنى الحديث: أنه ليس بينه وبين أن تجري عليه أحكام الكفر، فيستباح دمه، إلا ترك الصلاة. ولا يكون كافرا إلا بالجهل بالمعرفة. وترك الصلاة لا يزيل المعرفة من القلب. ولم تحرم ذكاة الكتابي لقول الله سبحانه: وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم [المائدة: 5]. يعني: ذبائحهم. ومنع ذكاة المجوسي بهذه الآية على من قال بدليل الخطاب، وبقوله: ولا تأكلوا مما لم يذكر [ ص: 1535 ] اسم الله عليه [الأنعام: 121].

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية