الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب فيمن حلف لا يبيع من فلان أو لا يشتري منه، فباع من وكيله أو اشترى

                                                                                                                                                                                        ومن حلف لا يبيع من رجل، ولا يشتري منه ، فباع أو اشترى من وكيله، فإن لم يكن الوكيل من سبب المحلوف عليه، لم يحنث. وإن كان من ناحيته أو من سببه وهو عالم أنه من ناحيته، حنث .

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا قال لم أعلم أنه من سببه، فقال ابن القاسم في المجموعة: يحنث، ولم يصدقه. وقال أشهب : لا يحنث .

                                                                                                                                                                                        واختلف في المراد بمن هو من سببه، فقال ابن القاسم في المدونة: صديق ملاطف، أو من هو من عياله، أو من هو من ناحيته .

                                                                                                                                                                                        وقال ابن حبيب : هو الذي يدير أمره أو أب أو أخ ممن يلي أمره. فأما الصديق والجار والجلساء فلا . يريد: أن محمله فيمن لا يلي ماله كالأجنبي، فلا يحنث به، وأن من يلي القيام بماله لا يخفى عليه.

                                                                                                                                                                                        ولم يروا عليه حنثا إذا لم يكن من سببه، وإن ثبت أن البيع والشراء كان للمحلوف عليه، بخلاف أن يباشر الحالف المحلوف عليه بالبيع والشراء [ ص: 1758 ] ناسيا; لأن الناسي عالم أنه محلوف عليه عامدا للفعل ناسيا ليمينه. والناسي والعامد سواء.

                                                                                                                                                                                        وهذا غير عالم فلم يحنث على مراعاة المقاصد; لأنه غير ما قصد بيمينه. ولا على مراعاة اللفظ; لأنه إنما باع أو اشترى من غير المحلوف عليه.

                                                                                                                                                                                        وأرى أن ينظر في الحالف، فإن كان لا يخفى عليه أن الذي باشره بالعقد من سبب المحلوف عليه; لم يصدق.

                                                                                                                                                                                        وإن أشكل الأمر حلف أنه لم يعلم ولم يحنث. والتهمة في يمينه ألا يبيع من فلان جاريته أو عبده أو يشتريهما منه مختلف. فمن حلف لا باع جاريته أو عبده من فلان، يتخوف أن يدس من يشتري له ذلك، وهذا يجري كثيرا. فإن تولى الشراء جار أو صديق أو جليس; لم يصدق أنه لم يعلم أنه من ناحيته، إلا أن يكون الحالف طارئا، أو يقوم له دليل. ولا يتخوف مثل ذلك أن يدس عليه من يبيع منه، إلا أن يكون اليمين منه على معين جارية أو عبد، فلا يصدق أنه لم يعلم أن الذي حلف عليه.

                                                                                                                                                                                        وقال مالك : وإن كان المشتري من سبب المحلوف عليه، فقال البائع: إني حلفت أن لا أبيع من فلان. فقال: لنفسي أشتري. فلما باع منه، قال: ادفعها لفلان المحلوف عليه، فله اشتريتها; لزمه البيع. وهو حانث، ولا ينفعه ما قدم في ذلك . ولو قال: إن كنت وكيلا فلا بيع بيننا; لم يلزمه بيع، ولم يحنث. [ ص: 1759 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية