الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          1225 حدثنا قتيبة حدثنا مالك بن أنس عن عبد الله بن يزيد أن زيدا أبا عياش سأل سعدا عن البيضاء بالسلت فقال أيهما أفضل قال البيضاء فنهى عن ذلك وقال سعد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل عن اشتراء التمر بالرطب فقال لمن حوله أينقص الرطب إذا يبس قالوا نعم فنهى عن ذلك حدثنا هناد حدثنا وكيع عن مالك عن عبد الله بن يزيد عن زيد أبي عياش قال سألنا سعدا فذكر نحوه قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح والعمل على هذا عند أهل العلم وهو قول الشافعي وأصحابنا

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( أن زيدا أبا عياش ) قال الحافظ في التقريب : زيد بن عياش بالتحتانية أبو عياش المدني صدوق من الثالثة ( سأل سعدا ) هو ابن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه ( عن البيضاء بالسلت ) وفي رواية الموطإ للإمام محمد عمن اشترى البيضاء بالسلت ، والبيضاء : هو الشعير كما في رواية ، ووهم وكيع فقال عن مالك : الذرة ولم يقله غيره ، والعرب تطلق البيضاء على الشعير [ ص: 350 ] والسمراء على البر ، كذا قال ابن عبد البر والسلت : بضم السين وسكون اللام ضرب من الشعير لا قشر له يكون في الحجاز ، قاله الجوهري ، كذا في التعليق الممجد ، قال الجزري في النهاية : البيضاء : الحنطة ، وهي السمراء أيضا ، وقد تكرر ذكرها في البيع والزكاة ، وغيرهما ، وإنما كره ذلك ؛ لأنهما عنده جنس واحد وخالفه غيره . انتهى ، وقال : السلت ضرب من الشعير أبيض لا قشر له ، وقيل هو نوع من الحنطة ، والأول أصح ؛ لأن البيضاء الحنطة . انتهى ، وقال في حاشية موطإ الإمام مالك : البيضاء نوع من البر أبيض ، وفيه رخاوة تكون ببلاد مصر ، والسلت : نوع من الشعير لا قشر له تكون في الحجاز ، وحكى الخطابي عن بعضهم أنه قال : البيضاء هو الرطب من السلت ، والأول أعرف إلا أن هذا القول أليق بمعنى الحديث ، وعليه يدل موضع التشبيه من الرطب بالتمر ، ولو اختلف الجنس لم يصح التشبيه ، وفي الغريبين . السلت : هو حب الحنطة ، والشعير لا قشر له . انتهى ، وفي القاموس : البيضاء هو الحنطة والرطب من السلت . انتهى . ( فنهى عن ذلك ) فيه تأمل ، فتأمل وتفكر ( أينقص الرطب إذا يبس ؟ ) بهمزة الاستفهام فنهى عن ذلك ، قال الإمام محمد في موطئه بعد رواية هذا الحديث : وبهذا نأخذ لا خير في أن يشتري الرجل قفيز رطب بقفيز من تمر يدا بيد ؛ لأن الرطب ينقص إذا جف فيصير أقل من قفيز فلذلك فسد البيع فيه . انتهى ، وبه قال أحمد والشافعي ، ومالك ، وغيرهم وقالوا : لا يجوز بيع التمر بالرطب لا متفاضلا ، ولا متماثلا يدا بيد كان ، أو نسيئة ، وأما التمر بالتمر والرطب بالرطب فيجوز ذلك متماثلا لا متفاضلا يدا بيد لا نسيئة ، وفيه خلاف أبي حنيفة حيث جوز بيع التمر بالرطب متماثلا إذا كان يدا بيد ؛ لأن الرطب تمر ، وبيع التمر بالتمر جائز متماثلا من غير اعتبار الجودة والرداءة ، وقد حكي عنه أنه لما دخل بغداد سألوه عن هذا ، وكانوا أشداء عليه لمخالفته الخبر . فقال : الرطب إما أن يكون تمرا ، أو لم يكن تمرا ، فإن كان تمرا جاز لقوله صلى الله عليه وسلم : التمر بالتمر مثلا بمثل ، وإن لم يكن تمرا جاز لحديث إذا اختلف النوعان فبيعوا كيف شئتم فأوردوا عليه الحديث فقال : مداره على زيد بن عياش ، وهو مجهول ، أو قال : ممن لا يقبل حديثه ، واستحسن أهل الحديث هذا الطعن منه حتى قال ابن المبارك : كيف يقال إن أبا حنيفة لا يعرف الحديث ، وهو يقول زيد ممن لا يقبل حديثه ؟ قال ابن الهمام في الفتح رد ترديده بأن هاهنا قسما ثالثا ، وهو أنه من جنس التمر ، ولا يجوز بيعه بالآخر كالحنطة المقلية بغير المقلية لعدم تسوية الكيل بهما ، فكذا الرطب والتمر لا يسويهما الكيل ، وإنما يسوي في حال اعتدال البدلين ، وهو أن يجف الآخر وأبو حنيفة يمنعه ويعتبر التساوي حال العقد ، وعروض النقض بعد ذلك لا يمنع من المساواة في الحال إذا كان موحيه أمرا خلقيا ، وهو زيادة الرطوبة بخلاف المقلية بغيرها فإنه في الحال يحكم لعدم [ ص: 351 ] التساوي لاكتناز أحدهما وتخلخل الآخر ، ورد طعنه في زيد بأنه ثقة كما مر ، وقد يجاب أيضا بأنه على تقدير صحة السند ، فالمراد النهي نسيئة . فإنه ثبت في حديث أبي عياش هذا زيادة نسيئة أخرجه أبو داود عن يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن يزيد أن أبا عياش أخبره أنه سمع سعدا يقول : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الرطب بالتمر نسيئة ، وأخرجه الحاكم والطحاوي في شرح معاني الآثار ، ورواه الدارقطني ، وقال اجتماع هؤلاء الأربعة يعني : مالكا وإسماعيل بن أمية والضحاك بن عثمان وآخر على خلاف ما رواه يحيى بن أبي كثير يدل على ضبطهم للحديث ، وأنت تعلم أن بعد صحة هذه الرواية يجب قبولها ؛ لأن المذهب المختار عند المحدثين هو قبول الزيادة ، وإن لم يروها الأكثر إلا في زيادة تفرد بها بعض الحاضرين في المجلس ، فإن مثله مردود كما كتبناه في تحرير الأصول ، وما نحن فيه لم يثبت أنه زيادة في مجلس واحد لكن يبقى قوله في تلك الرواية الصحيحة : أينقص الرطب إذا جف عريا عن الفائدة إذا كان النهي عنه للنسيئة . انتهى كلام ابن الهمام ، وهذا غاية التوجيه في المقام مع ما فيه من الإشارة إلى ما فيه ، وللطحاوي كلام في شرح معاني الآثار مبني على ترجيح رواية النسيئة ، وهو خلاف جمهور المحدثين وخلاف سياق الرواية أيضا ، ولعل الحق لا يتجاوز عن قولهما وقول الجمهور ، كذا في التعليق الممجد . قوله : ( هذا حديث حسن صحيح ) وأخرجه مالك في الموطإ وأصحاب السنن ، وقد أعل أبو حنيفة هذا الحديث من أجل زيد بن عياش ، وقال : مداره على زيد بن عياش ، وهو مجهول ، وكذا قال ابن حزم ، وتعقبوهما بأن الحديث صحيح وزيد ليس بمجهول ، قال الزرقاني : زيد كنيته أبو عياش ، واسم أبيه عياش المدني تابعي صدوق نقل عن مالك أنه مولى سعد بن أبي وقاص ، وقيل إنه مولى بني مخزوم ، وفي تهذيب التهذيب : زيد بن عياش أبو عياش الزرقي ، ويقال ، المخزومي روى عن سعد وعنه عبد الله بن يزيد وعمران بن أنيس ذكره ابن حبان في الثقات ، وصحح الترمذي ، وابن خزيمة ، وابن حبان حديثه المذكور ، وقال الدارقطني : ثقة ، وقال الحاكم في المستدرك هذا حديث صحيح لإجماع أئمة النقل على إمامة مالك ، وأنه محكم في كل ما يرويه إذ لم يوجد في روايته إلا الصحيح خصوصا في رواية أهل المدينة ، والشيخان لم يخرجاه لما خشيا من جهالة زيد . انتهى ، وفي فتح القدير شرح الهداية قال صاحب التنقيح : زيد بن عياش أبو عياش الزرقي المدني ليس به بأس ، ومشايخنا ذكروا عن أبي حنيفة بأنه مجهول ، ورد طعنه بأنه ثقة ، وروى عنه مالك في الموطإ ، وهو لا يروي عن مجهول ، وقال المنذري كيف يكون مجهولا ، وقد روى عنه ثقتان ؛ عبد الله بن يزيد وعمران بن أبي أنيس ، وهما ممن احتج بهما مسلم في صحيحه ، وقد عرفه أئمة هذا الشأن وأخرج حديثه مالك مع شدة تحريه في [ ص: 352 ] الرجال ، وقال ابن الجوزي في التحقيق : قال أبو حنيفة : إنه مجهول فإن كان هو لم يعرفه فقد عرفه أئمة النقل . انتهى ، وفي غاية البيان شرح الهداية نقلوا تضعيفه عن أبي حنيفه ، ولكن لم يصح ضعفه في كتب الحديث ، فمن ادعى فعليه البيان . انتهى ، وفي البناية للعيني عند قول صاحب الهداية : زيد بن عياش ضعيف عند النقلة هذا ليس بصحيح ، بل هو ثقة عند النقلة . انتهى ، كذا في التعليق الممجد . قوله : ( والعمل على هذا عند أهل العلم ، وهو قول الشافعي وأصحابنا ) وهو الحق والصواب ، وقد عرفت قول الإمام أبي حنيفة ، وما فيه من الكلام .




                                                                                                          الخدمات العلمية